ويستدلون بما يُنسب إِلَى أبي حنيفة من مناظرة مكذوبة ومع الأسف أنها رائجة، حتى أن بعض النَّاس يطبعها ويتركها في برواز، وهي أن الإمام أبو حنيفة ناظره دهري زنديق لا يؤمن بالله واتفقوا أن يكون موعد المناظرة في مسجد معين ومكان معين، وتأخر الإمام أبو حنيفة ثُمَّ لما وصل إليه قالوا له: ما الذي أخرك يا أبو حنيفة؟ قَالَ: كنت واقفاً وجاء خشب وتجمع ثُمَّ تكونت منه سفينة، ثُمَّ كذا ثُمَّ قادتنا السفينة إليك فتأخرتُ، فَقَالَ له الرجل: كيف يتجمع بذاته؟ وكيف يمشي بذاته؟ قَالَ: فكيف بهذا الكون من يسيره ويدير شؤونه؟! ثُمَّ يقول الدهري الزنديق للإمام أبي حنيفة أين الله؟! قَالَ: الله في كل مكان، قال له: كيف يكون في كل مكان؟ قَالَ: مثل الزبدة في اللبن.
هذا الكلام لا يصح، ولا تصح القصة من أصلها.
وهل يمكن لأحد في زمن الإمام أبي حنيفة أن يأتي يناظر النَّاس وينكر وجود الله علناً؟! وإذا كنا الآن في زمن السوء الذي نعيش فيه لا يستطيع أحد أن يأتي ويقول: أنا أنكر وجود الله، فإن العوام يقتلونه قبل أن يصل إليه العلماء، فكيف بذلك الزمن؟ فلا يمكن حصول هذه القصة أصلاً، ثُمَّ كيف ينكر وجود الله، ثُمَّ يقول له: أين الله؟! فَيَقُولُ: هو كالزبدة في اللبن.
وكيف يقول الإمام أبو حنيفة هذا، وهو الذي يقول كما في الفقه الأكبر وفي طرق أخرى غير الفقه الأكبر: من أنكر أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى العرش فقد كفر، هذا ثابت عنه في عدة كتب من كتب المناقب، مثل مناقب أبي حنيفة.
فالمقصود أن الذين يقولون: إن الله في كل مكان بهذا المعنى، فإنه مخالف ومنافٍ لما عليه السلف الصالح، فإنهم أجمعوا عَلَى أن الله فوق العرش، كما أجمع عَلَى ذلك المفسرون، ونقل الإجماع ابن كثير وغيره؛ أنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فوق العرش وأنه وفي كل مكان بعلمه.