ومن ذلك أيضاً الحديث المتفق عليه وهو حديث عَائِِِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قالت:"ثلاث من حدثك بهن فقد أعظم عَلَى الله الفرية " تعني: ثلاثاً عظيمات جداً، والثنتين الأخريين أعظم من هذه؛ لأن هذه قضية خبريه لكن تلكما قضية اعتقادية وهي أهم.
أما الأولى قالت:"من حدثك أن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتم شيئاً مما أوحى إليه فقد أعظم عَلَى الله الفرية" فرية عظيمة لأن الله -عَزَّ وَجَلَّ-يقول: يَا أَيُّهَا الرَّسُول ولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة:٦٧] وفي ذلك رد عَلَى الذين يقولون بالعلم الباطن، وأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اختص به بعض الناس، كما يقولون: إن عُمَر -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ- قَالَ:"كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتحدث مع أبِي بَكْرٍ وكنت كالزنجي بينهما" يعني: مثل الأعجمي لا يفهم شيئاً؛ لأنهم يتكلمون في أمور الأحوال والمقامات كما تقول الصوفية.
وكما تقول الروافض أنه كتب العلم في الجفر واختص بهذا الجفر علياً وبعض آل البيت، وهذا الجفر مخبوء وتناقلوه إِلَى جعفر ثُمَّ إلىمُحَمَّد بن الحسن العسكري صاحب السرداب ولا يعلم أحد ما فيه، سُبْحانَ اللَّه!
إذاً: هذا علم مكتوم فهذا من أعظم الفرية عَلَى الله وعلى رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والقول بأن شيئاً من الشريعة إما باطن وإما العلم اللدني أو الجفر كتمها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهذا لا بد فيه من أحد أمرين:
إما أن يقول: إن هذا الشيء كتمه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي ذلك ما قد قلنا.