قوله:(بكى فقيل له: ما يبكيك، فقَالَ: أبكي؛ لأن غلاماً بعث بعدي، يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي) وهو عَلَيْهِ السَّلام كَانَ يريد أن تكون أمته أكثر الأمم، وكما في حديث السبعين الألف، الذين يدخلون الجنة بغير حساب، يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(فنظرت فإذا سواد عظيم فظننت أنها أمتي فقيل: لا. هذا موسى وقومه، ثُمَّ رفع له سواد أعظم وأكثر، فقيل: هذه أمتك ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب) ، فأمة موسى عَلَيْهِ السَّلام أمة عظيمة ولكن شتان بين من أوحى الله إليه أن أخرج قومك من الظلمات إِلَى النور، وبين من أوحى الله إليه أن يخرج النَّاس من الظلمات إِلَى النور.
فمُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسالته إِلَى النَّاس كافة، هذا من حيث عموم المبعوث إليهم، ثُمَّ من حيث الزمان فثبوت رسالة موسى عَلَيْهِ السَّلام مؤقتة. أما رسالة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنها للزمان كله إِلَى أن تقوم الساعة، فمن الطبيعي إذاً أن تكون أمة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر عدداً من أمة موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم.
ثُمَّ عرج به إِلَى السماء السابعة فلقي فيها إبراهيم فسلم عليه فرد عَلَيْهِ السَّلام ورحب به وأقر بنبوته وهو كما ذكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أشبه النَّاس به عليهما الصلاة والسلام قَالَ:(وأما إبراهيم فانظروا إِلَى صاحبكم) أي: من أراد أن يعرف كيفية إبراهيم عَلَيْهِ السَّلام، قَالَ: فانظروا إلي.
ثُمَّ رفع إِلَى سدرة المنتهى، وهي سدرة عظيمة، أخبر الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عنها، وأخبر بها الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا نعلم عنها إلا ما في ذلك من الوحي، وهي آية من الآيات العظمى، التي جعلها الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في ذلك الملأ الأعلى.