قوله:[وعدم استغنائه عن عصمته وحفظه طرفة عين] فقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين) فالأنبياء وأتباعهم قالوا هذا لعلمهم شدة فقرهم إلى الله وحاجتهم إليه، أمَّا أولئك فقد استغنوا عن الله تبارك وتعالى، فلا يذكرون الله إلا قليلاً، ولا يدعونه ولا يلجأون إليه، ولهذا كان السلف الصالح يدعون الله في كل وقت، ويحثون أبناءهم وتلاميذهم والمسلمين على دعاء الله حتى قال قائلهم:"إني لأدعو الله ولو كان في شراك نعلي"، فلو انقطع شراك نعله لدعا الله سبحانه وتعالى، فادعُ الله أيها العبد فأنت فقير إليه في كل لحظة، وفي كل حين وفي كل وقت، لكن أولئك يظنون أنهم في غنى عن الله، ولهذا تمر بهم الأيام ذوات العدد ولا يدعون الله سبحانه وتعالى فيها، حتى وإن عبدوه.
ومن الناس من يصلي ويصوم ويؤدي الفرائض، ولكنه لا يدعو الله، لأن الشيطان قد أغفل قلبه وأشعره بأنه في غنىً عن دعاء الله تبارك وتعالى، والمقصود أن العبد المؤمن إذا شهد هذا الحال من الافتقار ومراقبة الله له ارتفع إيمانه وما من قلب يرقى في درجات الإيمان وقطعيات اليقين إلا ويشهد ذلك بمقدار رقيه ورسوخ إيمانه ويقينه، فإذا شهد العبد ذلك واستشعره دائماً.
الجواب: كان بالله في هذه الحال لا بنفسه، فوقوع الذنب منه لا يتأتى في هذه الحال ألبتة فإن عليه حصناً حصيناً، ثم ذكر الحديث أو جزءاً منه مضمناً إياه الكلام [فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي] فلا يتصور منه الذنب في هذه الحالة إذا استشعر فقره واستشعر مراقبة الله تبارك وتعالى له في كل وقت، وهي درجة الإحسان، التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل:(أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) .