دخوله في مفهوم الحصر أو العلة أو الغاية أو العدد أو الصفة أو الظرف واضحٌ. فلم يبق من أنواع مفهوم المخالفة يتوهم دخوله فيه إلا مفهوم الشرط أو اللقب، وليس داخلًا في واحد منهما؛ فظهر عدم دخوله فيه أصلًا.
أما وجه توهم دخوله في مفهوم الشرط؛ فلأن قوله:{يَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} فعل مضارع مجزوم بكونه جزاء الطلب، وجمهور علماء العربية على أن الفعل إذا كان كذلك فهو مجزوم بشرط مقدر لا بالجملة قبله، كما قيل به.
وعلى الصحيح -الذي هو مذهب الجمهور- فتقرير المعنى: أجيبوا داعي اللَّه وآمنوا به، إن تفعلوا ذلك يغفر لكم. فيتوهم في الآية مفهوم هذا الشرط المقدر.
والجواب عن هذا: أن مفهوم الشرط عند القائل به، إنما هو في فعل الشرط لا في جزائه، وهو معتبر هنا في فعل الشرط على عادته، فمفهوم: إن تجيبوا داعي اللَّه وتؤمنوا به يغفر لكم، أنهم إن لم يجيبوا داعي اللَّه ولم يؤمنوا به لم يغفر لهم. وهو كذلك.
أما جزاء الشرط فلا مفهوم له؛ لاحتمال أن تترتب على الشرط الواحد مشروطات كثيرة، فيذكر بعضها جزاء له، فلا يدل على نفي غيره. كما لو قلت لشخص -مثلًا-: إن تسرق يجب عليك غرم ما سرقت. فهذا الكلام حق ولا يدل على نفي غير الغرم كالقطع؛ لأن قطع اليد مرتب -أيضًا- على السرقة كالغرم.