وقوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (٢٤)}، لا يشكل عليه قوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (٥١)} [الفرقان/ ٥١]؛ لأن المعنى: أرسلنا إلى جميع القرى، بل إلى الأسود والأحمر، رسولًا واحدًا هو محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، مع أنَّا لو شئنا أرسلنا إلى كل قرية بانفرادها رسولًا، ولكن لم نفعل ذلك؛ ليكون الإرسال إلى الناس كلهم فيه الإظهار لفضله -صلى اللَّه عليه وسلم- على غيره من الرسل، بإعطائه ما لم يُعطَه أحدٌ قبله من الرسل عليه وعليهم الصلاة والسلام.
كما ثبت عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- في "الصحيح" من أن عموم رسالته إلى الأسود والأحمر مما خصَّه اللَّه به دون غيره من الرسل.
وأقرب الأوجه المذكورة عندنا هو ما يدل عليه القرآن العظيم، وهو الوجه الرابع، وهو أن معنى الآية: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (٧)} أي: لكل أمة نبي، فلستَ يا نبي اللَّه بدعًا من الرسل.
وعليه، فالحكمة في الإخبار بأن لكل أمة نبيًا أن المشركين عجبوا من إرساله -صلى اللَّه عليه وسلم- إليهم، كما بينه تعالى بقوله:{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ}[يونس/ ٢]، وقوله: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (٩٤)} [الإسراء/ ٩٤]، فأخبرهم أن إنذاره لهم ليس بعجب ولا غريب؛ لأن