وفي "صحيح مسلم" من حديث عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما-: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن اللَّه قدَّر مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء".
وفي الصحيحين من حديث عمران بن حصين -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كل ميسر لما خُلِقَ له".
وإذا تقرر أن قوله تعالى:{وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} معناه: أنه خلقهم لسعادة بعض وشقاوة بعض، كما قال:{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ} الآية، وقال {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ}[التغابن/ ٢] فلا يخفى ظهور التعارض بين هذه الآيات مع قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} [الذاريات/ ٥٦].
والجواب عن هذا من ثلاثة أوجه:
الأول -ونقله ابن جرير عن زيد بن أسلم وسفيان-: أن معنى الآية: {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} أي: يعبدني السعداء منهم ويعصيني الأشقياء. فالحكمة المقصودة من إيجاد الخلق -التي هي عبادة اللَّه- حاصلة بفعل السعداء منهم، كما أشار له قوله تعالى: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (٨٩)} [الأنعام/ ٨٩].
وغاية ما يلزم على هذا القول أنه أطلق المجموع وأراد بعضهم، وقد بينا أمثال ذلك من الآيات التي أطلق فيها المجموع مرادًا بعضه