للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأئمة كيف منع شَدّ الرحال لزيارته - صلى الله عليه وسلم -، وجعل السفر للزيارة سفرَ معصيةٍ لا يصحّ فيه قصر الصلاة، خارقًا بذلك إجماعَ المسلمين؛ غير مستحْيٍ من سيّد المرسلين! ودليله الذي استند إليه واستنبط منه ما لم يستنبطه أحدٌ من الأولين والآخرين هو: منعُه - صلى الله عليه وسلم - من شدّ الرحال إلاّ (١) لأحد المساجد الثلاثة، ففهم من ذلك النهي: أنَّ الرِّحالَ لا تُشدُّ للزيارة؛ بناءً على خبالٍ قام برأسه أنّ القصر حقيقيّ لا إضافيّ. ولو كان كما فهم ذلك المجتهد الكبير؛ لكان شدّ الرحال لصلة الرحم، أو زيارة الإخوان، أو التجارة، أو غير ذلك = محرَّمًا؛ فإذًا تقفُ مصالح العالم، وتتعطّل أمور الدين والدنيا! ولو تبصّر قليلًا لعلِمَ ما أراد - صلى الله عليه وسلم - من أنّ المساجد متساوية في الفضل، فكلها سواء؛ إلاّ هذه المساجد الثلاثة؛ وذلك ظاهرٌ لا خفاءَ فيه؛ فإن الأصل أن الشيء يستثنى جنسه القريب. فإذا قلنا: ما ماتَ إلاّ زيدٌ؛ كان معناه: ما مات إنسانٌ إلا زيدٌ. وليس معناه: ما مات حيوان إلاّ زيدٌ. ومَن فهم ذلك كان من الحيوان، لا من الإنسان) (٢)

وكلام " الدجوي " -بنظرة عجْلى فيه- قد انطوى على أَغاليط عدة، مع التغافل عما اشتمل عليه كلامُه من ضروب القصْب. وإنما ينصبّ الحديث معه حول المغالطات العلميّة التي انتظمها كلامه السالف:

فيقال: أمّا عدّ " الدجوي " القولَ بتحريم شد الرحال لزيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - من مفردات الإمام ابن تيمية - رحمه الله -؛ فقولٌ لا يصدُر إلا عن أحد رجلين:


(١) في الأصل المطبوع: " إلى "
(٢) "مقالات وفتاوى الشيخ يوسف الدجوي " (١/ ٣٥٨ - ٣٥٩)،والدجوي (١٢٨٧ - ١٣٦٥ هـ) هو: يوسف بن أحمد بن نصر بن سويلم الدجوي، فقيه مالكي من علماء الأزهر، كف= =بصره في طفولته بمرض الجدري، من تآليفه: "خلاصة علم الوضع"، "تنبيه المؤمنين لمحاسن الدين"=انظر: "الأعلام" للزركلي (٧/ ٢١٦)

<<  <   >  >>