للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكلمه قال: ثم أقبل على الرجل فقال: أعمدًا قتلته أم خطأ؟ قال الرجل: لقد تعمدت رميه، وما أردت قتله. فقال عمر: ما أراك إلا قد أشركت بين العمد والخطأ، اعمد إلى شاة فاذبحها وتصدق بلحمها واستبق إهابها. قال: فقمنا من عنده، فقلت لصاحبي: أيها الرجل، عَظّم شعائر الله، فما درى أمير المؤمنين ما يفتيك حتى سأل صاحبه: اعمد إلى ناقتك فانحرها، ففعل ذاك. قال قبيصة: ولا أذكر الآية من سورة المائدة: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} قال: فبلغ عمر مقالتي، فلم يفجأنا منه إلا ومعه الدّرّة.

قال: فعلا صاحبي ضربًا بالدرة، وجعل يقول: أقتلت في الحرم وسفَّهت الحكم؟ قال: ثم أقبل عليَّ فقلت: يا أمير المؤمنين، لا أحل لك اليوم شيئا يحْرُم عليك مني، قال: يا قبيصة بن جابر، إني أراك شابّ السن، فسيح الصدر، بيّن اللسان، وإن الشاب يكون فيه تسعة أخلاق حسنة وخلق سيئ، فيفسد الخلقُ السيئ الأخلاقَ الحسنة، فإياك وعثرات الشباب) (١).

فتأمل موقف عمر من الرجل حين قال له: (أقتلت في الحرم وسفَّهت الحكم؟) وهذا من تعظيم الفاروق رضي الله عنه لحرمات الله أن استشار عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه, ثم عاتب الرجل حين خالف حكمهما الذي أمر الله عز وجل به.

ومن تغليظ عقوبة قتل الصيد حال الإحرام كذلك قوله تعالى: {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} , فجعل الله جل وعلا العفو عما سلف بين قوله: {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} وبين قوله: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ}.

وجملة: {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} دلّت على أن مقصد التشريع في جزاء قتل الصيد إنما هو العقوبة, وقد جاء التعبير بلفظ الوبال: حتى يحس القاتل بعظمة وشدة الفعل الذي ارتكبه إذ أصل الوبال: الشدة في المكروه. (٢)


(١) جامع البيان (١٠/ ٢٥) , تفسير ابن أبي حاتم (٤/ ١٢٠٦).
(٢) انظر: جامع البيان (١٠/ ٤٧) , التحرير والتنوير (٧/ ٤٥ , ٥٠).

<<  <   >  >>