وقدم على الصاحب بن عباد، فارتضى تصرفه في العلم، وتفنّنه في أنواع الفضل، وعرض عليه القضاء على شرط انتحال مذهبه، يعني الاعتزال، فامتنع وقال: لا أبيع الدّين بالدنيا: فتمثل له الصاحب بقول القائل:
فلا تجعلني للقضاء فريسة ... فإن قضاة العالمين لصوص (١)
مجالسهم فينا مجالس شرطة ... وأيديهم دون الشّصوص شصوص
فأجاب البحاث بقوله بديهة:
سوى عصبة منهم تخصّ بعفة ... ولله في حكم العموم خصوص
خصوصهم زان البلاد وإنما ... يزين خواتيم الملوك فصوص
والقاضي أبو جعفر هذا هو جد القاضي أبي جعفر محمد بن إسحاق البحاثيّ، الأديب، شيخ الباخرزيّ، صاحب «دمية القصر» وكلاهما أديب.
وكان القاضي أبو جعفر الكبير، صاحب هذه الترجمة، مع علو مرتبته في العلم يحب منصب القضاء.
ومن شعره قصيدة قالها في الشيخ العميد أبي علي محمد بن عيسى، يخطب قضاء مدينة فرغانة ويصف الربيع:
اكتسب الأرض وهي عريانه ... من نشر نور الربيع ألوانه
واتّزرت بالنبات وانتشرت ... حين سقاها السحاب ألبانه
فالروض يختال في ملابسه ... مرتديا ورده وريحانه
تضاحكت بعد طول عبستها ... ضحك عجوز تعود بهتانه
كم سائل لحّ في مساءلتي ... عن حالتي قلت وهي وسنانه
قلب كسير فمن يجبّره ... قال نرى من يحبّ جيرانه
(١) يتيمة الدهر للثعالبي، وطبقات الشافعية للسبكي.