بَيْتِكَ، انْظُرَنْ لا تَكُونَنِ اشْتَرَيْتَ دَارًا مِنْ غَيْرِ مَالِكَ، وَوَزَنْتَ مَالا مِنْ غَيْرِ حَقِّهِ فَإِذَا أَنْتَ قَدْ خَسِرْتَ الدَّارَيْنَ جَمِيعًا: الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ! يَا شُرَيْحُ لَوْ كُنْتَ حِينَ اشْتَرَيْتَ هَذَا الدَّارَ صِرْتَ إِلَيَّ كُنْتُ أَكْتِبُ لَكَ الصَّكَّ عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ، إِذَا مَا كُنْتَ تَشْتَرِيهَا بِدِرْهَمَيْنِ. قُلْتُ: وَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَبْدُ الذَّلِيلُ، مِنْ مَيِّتٍ قَدْ أُزْعِجَ بِالرَّحِيلِ، اشْتَرَى هَذَا الْمَفْتُولُ بِالأَمَلِ، مِنْ هَذَا الْمُزْعَجُ بِالأَجَلِ، دَارًا بِمَحِلَّةِ الْغَرُورِ، مِنَ الْجَانِبِ الْفَانِي فِي عَسْكَرِ الْهَالِكِينَ.
لَهَا حُدُودٌ أَرْبَعَةٌ:
الْحَدُّ الأَوَّلُ مِنْهَا يَنْتَهِي إِلَى دَوَاعِي الآفَاتِ.
وَالْحَدُّ الثَّانِي يَنْتَهِي إِلَى دَوَاعِي الْعَاهَاتِ,
وَالْحَدُّ الثَّالِثُ يَنْتَهِي إِلَى دَوَاعِي الْمُصِيبَاتِ.
وَالْحَدُّ الرَّابِعُ يَنْتَهِي إِلَى الْهَوَى الْمُرْدِي وَالشَّيْطَانِ الْمُغْوِي. وَفِي هَذَا الْحَدِّ يُشْرَعُ بَابُ هَذِهِ الدَّارِ بِالْخُرُوجِ مِنْ عِزِّ الْقَنُوعِ وَالدُّخُولِ إِلَى ذُلِّ الْحِرْصِ وَالْفُضُولِ.
فَمَا أَدْرَكَ هَذَا الْمُشْتَرِي مِنْ دَرَكٍ فَعَلَى مُبْلِي أَجْسَادِ الْمُلُوكِ وَسَالِبِ نُفُوسِ الْجَبَابِرَةِ - مِثْلَ كِسْرَى، وَقَيْصَرَ، وَتُبَّعَ وَحِمْيَرَ، وَمَنْ بَنَى وَشَيَّدَ، وَنَظَرَ بِزَعْمِهِ لَلْوَلَدِ - إِشْخَاصُهُمْ غَدًا إِذَا أَبْرَزَ الْكُرْسِيَّ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ.
شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ الْعَقْلُ إِذَا خَرَجَ مِنْ أَسْرِ الْهَوَى، وَالْمَعْرِفَةُ إِذَا حُلَّتْ مِنْ قَيْدِ الْمُنَى".