قال الأول: أي شيء دَعْوَاهُ؟ قَالَ الآخَرُ: يَدَّعِي الْغِنَى عَنِ الْخَلْقِ، والسير مع الحق. فقال له الأَوَّلُ: سَلْهُ عَنْ ذَلِكَ الشِّعْرِ؟ فَقَالَ الآخَرُ: يَا إِنْسِيُّ! فَقُلْتُ: مَا لَكَ يَا جِنِّيُّ يَا جِنِّيُّ؟ فَقَالَ: نَحْنُ مِنْ أَصْحَابِ مَوْلاكَ، تُجِيزُ لَنَا شِعْرًا حَتَّى نَعْلَمَ صِدْقَ دَعْوَاكَ؟
قُلْتُ: قُولا. فَقَالَ:
مُدَلَّهُ الْقَلْبِ غَائِبٌ سَاهِي ... مُقَرَّبُ الْقَلْبِ شَاهِدٌ رَائِي
مُبَلْبَلُ السِّرِّ والهٌ دَنِفٌ ... مُؤَانَسُ الْقَلْبِ ذَاهِبٌ فَانِي
فَأَجَبْتُهُمْ، فَقُلْتُ:
فَهُوَ مَعَ الْحَقِّ عَاقِلٌ فَطِنٌ ... وَهُوَ مَعَ الخلق ضاحك باكي
فسمعت صيحة مِنَ الَّذِي كَانَ يَسْأَلُنِي: أَلَيْسَ قَدْ قُلْتُ لا تعرض لهؤلاء؟ ثم قال: من الآنَ مَعَ دَعْوَاكَ.
فَقُلْتُ: أَزِيدُكُمْ بَيْتًا آخَرَ. فقالا: هَاتِ. فَقُلْتُ:
مُحْتَجِبُ السِّرِّ غَيْرُ مُحْتَجِبٍ ... وَغَائِبٌ غير أنه بادي
فسمعت لهما صيحة شديدة، ثم إنه انقطع عن كلامهما، فَلا أَدْرِي مَاتَا أَوْ تَرَكَانِي وَذَهَبَا، وَمَضَيْتُ عَلَى حَالِي وَحَجَجْتُ.
٣٧٧- وَبِهِ حَدَّثَنَا ابْنُ جَهْضَمٍ، قال: ثنا الخلدي، قال: حدثني أبو
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute