تجازفوا فالمروج كما لا يخفى وإن صادف الشمل سكرى تدير عليهم الغباوة كؤوسها وجثثا تغرز في سنة من الغفلة رءوسها يحتاط فيما يتعمد رواجه عليهم لا يألوا فيه تهذيبا وتنقيحا فكيف إذا صادفه مشتملا على إيقاظ متفطنين لا يبارون قوة ذكائه وإصابة حدس وحدة ألمعية وصدق فراسة يخبرون عن الغائب بقوة ذكائهم كأن قد شاهدوه يصف لهم الحدس الصائب حال الورد قبل أن يردوه ويثبتون أبعد شيء بحدة ألمعيتهم كأن ليس ببعيد وينظم لهم المجهول صدق فراستهم في سلك المعروف منذ زمان مديد كما يحكى أن سليمان بن عبد الملك أتى بأسارى من الروم وكان الفرزدق حاضرا فأمره سليمان بضرب واحد واحد منهم فاستعفى فما أعفى وقد أشير على سيف غير صالح للضرب ليستعمله فقال الفرزدق بل أضرب بسيف أبي رغوان مجاشع: يعني سيفه وكأنه قال لا يستعمل ذلك السيف إلا ظالم أو ابن ظالم ثم ضرب بسيفه الرومي واتفق أن نبا السيف فضحك سليمان ومن حوله فقال الفرزدق:
أيعجب الناس أن أضحكت سيدهم ... خليفة الله يستسقى به المطر
لم تنب سيفي من رعب ولا دهش ... عن الأسير ولكن أخر القدر
ولن يقدم نفسا قبل ميتتها ... جمع اليدين ولا الصمامة الذكر