الاشتباه لاحتمال أن يكون من محبيك صلة دنت أو مثل الذي في قولك الحمد لله الذي بعث في الحق عيسى وأيد بهرون موسى إذا أخرت المجرور بطل السجع، ولهذا العارض هنا شيء يتفاوت جلاء وخفاء لطيفا وألطف والخواطر في مضمارها تتباين عن ضليع لا يشق غباره ومن ظالع لا يؤمن عثاره وليس السبق هناك بمجرد الكد بل الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء " ولله در أمر التنزيل وإحاطته على لطائف الاعتبارات في إيراد المعنى على أنحاء مختلفة بحسب مقتضيات الأحوال لا ترى شيئاً منها يراعى في كلام البلغاء من وجه لطيف إلا عثرت عليه مراعي فيه من ألطف وجوه وأنا ألقى إليك من القرآن عدة أمثلة مما نحن فيه لتستضيء بها فيما عسى يظلم عليك من نظائرها إذا أحببت أن تتخذها مسارح نظرك ومطارح فكرك، منها ان قال عز من قائل في سورة القصص في قصة موسى " وجاء رجل من أقصى المدينة " فذكر المجرور بعد الفاعل وهو موضعه، وقال في يس في قصة رسل عيسى عليه السلام " وجاء من أقصى المدينة " فقدم لما كان أهم يبين ذلك أنه حين اخذ في قصة الرسل اشتمل الكلام على سوء معاملة أصحاب القرية الرسل وأنهم أصروا على تكذيبهم وانهمكوا في غوايتهم مستمرين على باطلهم فكان مظنة أن يلعن السامع على مجرى العادة تلك القرية قائلا: ما أنكدها تربة وما أسوأها منبتا ويبقى مجيلا في فكره أكانت تلك المدرة بحافاتها كذلك أم كان هناك قطر دان أو قاص منبت خير منتظرا لمساق الحديث هل يلم بذكره فكان لهذا العارض مهما فكما جاء موضع له صالح ذكر بخلاف قصة موسى، ومنها أن قال في سورة المؤمنين " لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا " فذكر بعد المرفوع وما تبعه المنصوب وهو موضعه، وقال في سورة النمل " لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا " فقدم لكونه منها أهم يدلك على ذلك أن الذي قبل هذه الآية " أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون " والذي قبل الأولى (أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما) فالجهة المنظور فيها هناك هي كون أنفسهم ترابا وعظاما، والجهة المنظور فيها ههنا هي كون أنفسهم وكون آبائهم ترابا لأجزاء هناك من بناهم على صورة نفسه ولا شبهة أنها أدخل عندهم في تعبيد البعث فاستلزم زيادة الاعتناء بالقصد على ذكره فصيره هذا العارض أهم، ومنها أن قال في موضع من سورة المؤمنين " فقال الملأ الذين كفروا من قومه " فذكر المجرور بعد صفة الملأ وهو موضعه كما تعرف، وفي موضع آخر منها " وقال الملأ من قومه الذين كفروا " فقدم المجرور لعارض صيره بالتقديم أولى وهو أنه لو أخر عن الوصف وأنت تعلم أن تمام الوصف بتمام ما يدخل في صلة الموصول وتمامه " وأترفناهم في الحياة الدنيا " لاحتمل أن يكرن من صلة الدنيا واشتبه الأمر في القائلين أهم من قومه أم لا، ومنها أن قال في سورة طه " أمنا برب هرون وموسى " وفي الشعراء " رب موسى وهرون " للمحافظة على الفاصلة، ولنقتصر من الأمثلة على ما ذكر، فما كان الغرض إلا مجرد التنبيه دون التتبع لنظائرها في القرآن وتفصيل القول فيها خاتمين الكلام بأن جميع ما وعت أذناك من التفاصيل في هذه الأنواع الثلاثة من فصل التقديم والتأخير هو مقتضى الظاهر فيها وقد عرفت فيما سبق أن إخراج الكلام لا على مقتضى الظاهر طريق للبلغاء يسلك كثيراً بتنزيل نوع مكان نوع باعتبار من الاعتبارات فليكن على ذكر منك. الاشتباه لاحتمال أن يكون من محبيك صلة دنت أو مثل الذي في قولك الحمد لله الذي بعث في الحق عيسى وأيد بهرون موسى إذا أخرت المجرور بطل السجع، ولهذا العارض هنا شيء يتفاوت جلاء وخفاء لطيفا وألطف والخواطر في مضمارها تتباين عن ضليع لا يشق غباره ومن ظالع لا يؤمن عثاره وليس السبق هناك بمجرد الكد بل الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء " ولله در أمر التنزيل وإحاطته على لطائف الاعتبارات في إيراد المعنى على أنحاء مختلفة بحسب مقتضيات الأحوال لا ترى شيئاً منها يراعى في كلام البلغاء من وجه لطيف إلا عثرت عليه مراعي فيه من ألطف وجوه وأنا ألقى إليك من القرآن عدة أمثلة مما نحن فيه لتستضيء بها فيما عسى يظلم عليك من نظائرها إذا أحببت أن تتخذها مسارح نظرك ومطارح فكرك، منها ان قال عز من قائل في سورة القصص في قصة موسى " وجاء رجل من أقصى المدينة " فذكر المجرور بعد الفاعل وهو موضعه، وقال في يس في قصة رسل عيسى عليه السلام " وجاء من أقصى المدينة " فقدم لما كان أهم يبين ذلك أنه حين اخذ في قصة الرسل اشتمل الكلام على سوء معاملة أصحاب القرية الرسل وأنهم أصروا على تكذيبهم وانهمكوا في غوايتهم مستمرين على باطلهم فكان مظنة أن يلعن السامع على مجرى العادة تلك القرية قائلا: ما أنكدها تربة وما أسوأها منبتا ويبقى مجيلا في فكره أكانت تلك المدرة بحافاتها كذلك أم كان هناك قطر دان أو قاص منبت خير منتظرا لمساق الحديث هل يلم بذكره فكان لهذا العارض مهما فكما جاء موضع له صالح ذكر بخلاف قصة موسى، ومنها أن قال في سورة المؤمنين " لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا " فذكر بعد المرفوع وما تبعه المنصوب وهو موضعه،