للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غاب الشفق، ثم صلى الفجر حين برق الفجر وحرم الطعام على الصائم. وصلى المرة الثانية الظهر حين كان ظل كل شيء مثله كوقت العصر بالأمس، ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه، ثم صلى المغرب لوقت الأولى، ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل، ثم صلى الصبح حين أسفر، ثم التفت إليّ جبريل فقال: يا محمد، هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت فيما بين هذين الوقتين". رواه الترمذي وغيره.


العشاء حين غاب الشفق" الحمرة، "ثم صلى الفجر حين برق الفجر" بموحدة وراء بلا نقط مفتوحتين، أي: لمع، وأما برق بكسر الراء، فمعناه تحير حتى صار لا يطرف، أو دهش حتى لا يبصر كما في القاموس وغيره، ومنه قوله تعالى: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ} [القيامة: ٧] وقرأ نافع بالفتح، أي: لمع من شدة شخوصه. "وحرم الطعام على الصائم، وصلى المرة الثانية الظهر حين كان" أي: صار "ظل كل شيء مثله" بالإفراد، "كوقت العصر بالأمس، ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه"، "بالثتينة"، "ثم صلى المغرب لوقت الأولى" أي: في الوقت الذي صلاها فيه في المرة الأولى، "ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل، ثم صلى الصبح حين أسفر، ثم التفت إليّ"، "بشد ياء المتكلم"، "جبريل" فاعل التفت، "فقال: يا محمد هذا" زاد في رواية: "وقتك و". "وقت الأنبياء من قبلك" أي: مثل وقت من فرض عليه منهم صلاة مخصوصة بوقت، لا أنه وقت لكل الأنبياء، فلا ينافي أن الخمس من خصائص هذه الأمة، ولم تجتمع لأحد غيرهم كما مر في الخصائص، "والوقت فيما بين هذين الوقتين" موسع، ففي أي جزء أوقعها فيه لا يأثم.
قال ابن عبد البر: لم أجد قوله: "هذا وقتك ووقت الأنبياء من قبلك" إلا في هذا الحديث، يعني حديث ابن عباس، وقال ابن العربي: ظاهره يوهم أن هذه الصلوات في هذه الأوقات مشروعة للأنبياء قبله وليس كذلك، وإنما معناه هذا وقتك المشروع لك يعني الوقت الموسع المحدود بطرفين الأول والآخر، ووقت الأنبياء قبلك أي صلاتهم كانت واسعة الوقت وذات طرفين، مثل هذا، وإلا فلم تكن هذه الصلوات على هذا الميقات إلا لهذه الأمة، خاصة وإن كان غيرهم قد شاركهم في بعضها.
وقد روى أبو داود في حديث العشاء: "أعتموا بهذه الصلاة، فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم، ولم تصلها أمة قبلكم". ولا يرد عليه ما ورد أن العشاء ليونس، لأنه أجيب بأنها كانت له نافلة ولم تكتب على أمته، كالتهجد وجب على نبينا دوننا، وبغير ذلك كما مر في الخصائص. "رواه الترمذي وغيره" كأبي داود وأحمد والشافعي، وصححه الحاكم وضعفه ابن بطال، بحديث

<<  <  ج: ص:  >  >>