"وهذا جوا شافٍ" من هذا الداء العضال، وهو نسبة ذنب إلى أفضل الخلق، "كافٍ" في دفع شبهة الخصم، "قاطع" لها أصلًا لما فيه من التنزل معه، "وعند هذا يحمل قوله: لم أذنت لهم على ترك الأولى، والأكمل" فقط لا على الإنكار، "بل لم يعد هذا أهل العلم" أي: أحد منهم "معاتبة" بفعل خلاف الأولى، "ولغطوا من ذهب إلى ذلك" من المفسرين، "فقال نفطويه": "بنون ففاء فطاء مضمومة فواو ساكنة، فياء مفتوحة عند أصحاب الحديث، لأنهم لا يحبون، وبه وعند الأدباء "بفتح الطاء والواو وسكون الياء" وهو لقب لإبراهيم بن محمد الأزدي، النحوي، لدناءة منظرة، مات سنة ثلاث وعشرين وقيل: أربع وعشرين، وثلاثمائة، "ذهب ناس إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم معاتب بهذه الآية، وحاشاه" الله "من ذلك" أي: برأه ونزهه وأصل معناه جعله في حشي، أي: جانب "بل كان مخيرًا" في الإذن وتركه، وقد كن له أن يفعل ما شاء فيما لم ينزل فيه شيء، فكيف، وقد قال الله تعالى له: {فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ} هكذا في كلام نفطويه، أي: فتعليق الأمر بالمشيئة صريح في أنه مخير "فلما أذن لهم أعلمه الله" بما لم يطلع عليه، "أنه لو لم يأذن لهم لقعدوا" ولو أمروا بخلاف القعود "لنفاقهم" وهم يدعون بالاستئذان أنه لو لم يأذن ما تخلفوا، فإذا ظهر كذبهم وانكشف مغطاهم لزم شق العصا وما يترتب عليه، فكان ما فعله أولى وأصوب، "و" أعلمه "أنه لا حرج" لا وزر ولا إثم "عليه في الإذن لهم" بقوله: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ} حيث لم يلزمك أن لا تأذن حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين، أي: لو صبرت لتبين لك أمرهم، فهو إشارة إلى كمال الرفق به صلى الله عليه وسلم، وأنه لم يقع منه تقصير يقتضي العتاب، ولا خطأ في الاجتهاد، ولا ارتكاب خلاف الأولى، وما أحلى قول ابن المنير في تفسيره {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ} [التوبة: ٤٣] ، دعامة في الكلام، يقصد بها ملاطفة المخاطب، وهو عادة العرب في التلطف بتقديم الدعاء لاستدعاء الإصغاء أو خير معناه لا عهدة عليك، فهو تخصيص وتمييز، لا أن الإذن ذنب يتعلق به العفو، لأن في تحمله ومسامحته لهم مع أذاهم حملًا للمشقة على نفسه، وإسقاطًا للجظوظ، فهو عتب عليه بلطف لا ملامة فيه، أي: قد بلغت في الامتثال والاحتمال الغاية، وزدت ما أجحف بك في محبة الله وطاعته، والرفق بالبر