"فإن قلت: قد ورد في صحيح مسلم" والبخاري أيضًا: فما هذا الإبهام، كلاهما عن أبي هريرة، "قوله صلى الله عليه وسلم": "والذي نفسي بيده ليوشك" بكسر المعجمة، أي: ليقربن، أي لا بد من ذلك سريعًا "أن ينزل فيكم"، أي: في هذه الأمة، فإنه خطاب لبعضها ممن لا يدرك نزوله "ابن مريم حكمًا" أي: حاكمًا "مقسطًا" أي: عادلا بخلاف القاسط، فهو الجائر، ولمسلم أيضًا: "إمامًا مقسطًا"، ولفظ البخاري: "حكمًا عدلا ". وفي مسلم عن أبي هريرة، مرفوعًا: "ينزل عيسى ابن مريم على المنارة البيضاء شرقي دمشق" وفي الصحيحين عنه، رفعه: "ينزل عيسى، فيقتل الدجال". "فيكسر الصليب" تفريع على عدله، أي: فسبب عدله يكسره حقيقة، أو يبطل ما تزعمه النصارى من تعظيمه، "ويقتل الخنزير" فيبطل دين النصرانية، وفيه تحريم اقتناء الخنزير، وتحريم أكله ونجاسته؛ لأن الشيء المنتفع به لا يشرع إتلافه، لكن في الطبراني الأوسط، بإسناد لا بأس به، عن أبي هريرة: ويقتل الخنزير والقرد، فلا يصح الاستدلال به على نجاسة عين الخنزير، لأن القرد ليس بنجس العين اتفاقًا، وفيه أيضًا تغيير المنكرات، وكسر آلة الباطل، زاد في رواية لمسلم: "ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاد". "ويضع الجزية" وفي رواية: "ويضع الحرب"، وبقية الحديث في الصحيحين: "ويفيض المال حتى لا يقبله أحد حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها". ثم يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء: ١٥٩] الآية. قال الحافظ: والمعنى أن الذين يصيرون واحدًا، فلا يبقى أحد من أهل الذمة يؤدي الجزية، وقيل: معناه يكثر المال، فلا يبقى من يمكن صرف مال الجزية له، فيترك الجزية استغناء عنها. وقال عياض: يحتمل أن المراد بوضعها تقريرها على الكفار من غير محاباة وتكون كثرة المال بسبب ذلك، وتعقبه النووي، "و" قال: "أن الصواب في معناه؛ أنه لا يقبل الجزية، ولا يقبل إلا الإسلام، أو" "القتل" إن امتنعوا منه.