للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والرمي بالشهب، قال ابن عباس: كانت الشياطين لا يحجبون عن السماوات، وكانوا يدخلونها ويأتون بأخبارها، فيلقون على الكهنة، فلما ولد عيسى عليه السلام منعوا من ثلاث سموات، فلما ولد محمد صلى الله عليه وسلم منعوا من السموات كلها.


فيخبرون به غيرهم، "والرمي" بالجر بباء مقدرة، أي: وحراسة السماء بالرمي "بالشهب"، أي: رمي الملائكة للشياطين عند استراق السمع، قال تعالى: {فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} الآية، قيل: الأولى تأخير عند مبعثه عن هذا ليتعلق بالثلاثة، وجوابه أنهما عطف علة على معلول والعلة تقارن معلولها، في الزمان، فيفيد أن الثلاثة عند مبعثه، فلا فرق بين تقديمها وتأخيرها، ثم المتبادر من المصنف؛ أنه لم يتخلل زمن بين المبعث والرمي بالشهب، وذكر ابن الجوزي؛ أن قريشًا وبني لهب، بكسر اللام رأت الرمي بالنجوم بعد المبعث بعشرين يومًا، فاجتمعوا إلى كاهن اسمه حظر، أتت عليه مائتان وثمانون سنة، فذكر الخبر مطولا جدًا، وفي آخره أنه من أجل مبعوث عظيم الشأن، يبعث بالتنزيل والقرآن، من نجل هاشم الأكارم، يبعث بالملاحم، وقتل كل ظالم، هذا هو البيان، أخبرني به رئيس الجان أغمي عليه، فما أفاق إلا بعد ثالثة، فقال: لا إله إلا الله، فقال صلى الله عليه وسلم: "لقد نطق عن مثل نبوة، وإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده"، وفي سيرة ابن إسحاق: لما تقارب أمره صلى الله عليه وسلم، وحضر مبعثه، حجبت الشياطين عن السمع، وحيل بينها وبين المقاعد التي كانت تسترق فيها، فرموا بالنجوم، فعرف الجن أنه أمر حدث فأول من فزع من ذلك ثقيف، فأتوا عمرو بن أمية بن علاج، وكان أدهى العرب، وأفكرها رأيًا، فقال: إن كانت هي النجوم التي يهتدى بها في البر والبحر، ويعرف بها الأنواء، فهو طي الدنيا وهلاك الخلق، وإن كانت غيرها، وهي ثابتة على حالها، فهو لأمر أراد الله به هذا الخلق.
"قال ابن عباس: كانت الشياطين لا يحجبون عن السماوات، وكانوا يدخلونها ويأتون بأخبارها فيلقون على الكهنة" وفي تفسير ابن عطية: روي في الرمي بالشهب أحاديث صحاح، مضمونها أن الشياطين كانت تصعد إلى السماء، فتقعد لتسمع واحدًا فوق واحد، فيتقدم الأجسر نحو السماء، ثم الذي يليه ثم الذي يليه، فيقضي الله بأمر من أمر الأرض، فيتحدث به أهل السماء، فيسمعه، منهم الشيطان الأدنى، فيلقيه إلى الذي تحته فربما، أحرقه شهاب، وقد ألقى الكلام، وربما لم يحرقه جملة، فتنزل تلك الكلمة إلى الكهان، فيكذبون معها مائة كذبة، فتصدق تلك الكلمة، فيصدق الجاهلون الجميع، "فلما ولد عيسى عليه السلام منعوا من ثلاث" كأن حكمة تخصيصه دون باقي الأنبياء على ظاهره تعظيم المصطفى لقرب زمنه؛ كما قال: "أنا أولى الناس بعيسى ليس بيني وبينه نبي"، "فلما ولد محمد صلى الله عليه وسلم منعوا من السماوات كلها" وما وقع عند الزبير بن بكار، أن إبليس كان يخترق السماوات ويصل إلى أربع، فلما ولد المصطفى،

<<  <  ج: ص:  >  >>