للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأنبياء أنه جرى له عند ابتداء الوحي.

ومنها: أن الله ذكره في القرآن عضوًا عضوًا، فقلبه بقوله: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: ١١] ، وقوله: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ} [الشعراء: ١٩٤] ، ولسانه بقوله: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: ٣] ، وقوله: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ} [مريم: ٩٧] ، وبصره بقوله: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم: ١٧] ، ووجه بقوله: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: ١٤٤] . يده وعنقه بقوله: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} [الإسراء: ٢٩] ، وظهره وصدره بقوله: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ، وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ، الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} [الشرح: ١-٣] ، أخرجه البخاري في تاريخه الصغير من طريق علي بن زيد قال: كان أبو طالب يقول:


الأنبياء؛ أنه جرى له عند ابتداء الوحي" لا مرة ولا أكثر.
"ومنها: أن الله ذكره في القرآن" أي: ذكر أعضاءه التي أريد الإخبار عنها بصفة تعلقت بها فيها، ثناء عليه، مبينة، "عضوًا عضوًا" وهو بهذا المعنى لا يستلزم ذكره الجميع، فلا يرد أن بقي من أعضائه الفخذان والرجلان وغيرهما، "فقلبه" أي: فذكر قلبه "بقوله: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} الآية، أي: ما رآه بقلبه، أي: ما أنكر قلبه ما رآه، ببصره من صورة جبريل، أو الله تعالى؛ فإن الأمور القدسية تدرك أولا بالقلب، ثم تنتقل منه إلى البصر أو ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك، لأنه عرفه بقلبه، كما رآه ببصره، والمعنى أنه ليس تخييلا، ويدل له أنه صلى الله عليه وسلم سئل: هل رأيت ربك؟ فقال: "رأيته بفؤادي"، رواه ابن جرير عن ابن عباس.
"وقوله: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ} " وفي قراءة بتشديد نزل ونصب الروح، والفاعل الله، "وذكر لسانه بقوله: {وَمَا يَنْطِقُ} " بما يأتيكم به {عَنِ الْهَوَى} الآية، هوى نفسه، "وقوله: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاه} " سهلنا القرآن {بِلِسَانِكَ} الآية، لغتك، "وبصره بقوله: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} " الآية، أي: ما مال بصره صلى الله عليه وسلم عن مرتبة المقصود له ولا جاوزه تلك الليلة، "ووجهه بقوله: {قَدْ} للتحقيق {نَرَى تَقَلُّبَ} تصرف {وَجْهِكَ فِي} جهة {السَّمَاءِ} الآية، متطلعًا إلى الوحي، ومتشوفًا إلى الأمر باستقبال الكعبة، وكان يود ذلك، لأنها قبلة إبراهيم ولأنه أدعى لإسلام العرب، "ويده وعنقه بقوله: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} الآية، أي: لا تمسكها عن الإنفاق كل المسك، "وظهره وصدره بقوله: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} بالنبوة وغيرها، {وَوَضَعْنَا} حططنا {عَنْكَ وِزْرَكَ، الَّذِي أَنْقَضَ} أثقل {ظَهْرَكَ} ، الآية، وهذا كقوله: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ} الآية، ويأتي

<<  <  ج: ص:  >  >>