ومصروفين إليه، لأنهما متحركان بمحرك، ومتصرفان بمصرف: الحازم غير مدرك ما ليس له، والعاجز غير محروم مما له، وإنما سعى الساعي وأجتهد المجتهد وكدح الكادح لأنه معلل بالتأميل، ومؤمل بالتعليل، والغاية مقصودة ولكن بالجهد، وكذلك قعد القاعد واستسلم المستسلم وأمسك الممسك لأنه يعلل بالتأميل، ويؤمل بالتعليل، وهو شريك صاحبه في آخر الحساب، وإن باينه في أول العمل.
وكان أبو أحمد الجرجاني القاضي يقول: أهل الدنيا بين تأميل بتضليل، وبين تعليل بتسويل، وهذه أخلاق العالم وأعراقه، وعليه سوسه وطباعه، ولن يحول عن جوهره بكراهة كاره، وغضب غاضب.
الحديث يتدافع كما ترى، وقد أنشأت هذا الكتاب على رواية ما حصلت، لأنه ثمرة العمر، وزبدة الأيام، ووديعة التجارب، وفي حفظ مضمونه، واعتبار ما اجتمع فيه، تبصرة من العمى، وتذكرة من العي، والنجاة من الله عز وجل إنما تكون بالله، والأولى بالمرء اللبيب، والحازم المميز، الأنقطاع إليه، والإناحة بين يديه، فإنك متى دبرت نفسك، وأملت لها، وسقت الأماني إليها، لم تتجاوز حدك من العبودية، لأنك عبد، متى أسلمت وجهك،