وقوله:«وفواقع مثل الدموع ترددت» بيت بارع اللفظ حلو المعنى، وقد اجتهد أصحاب أبي تمام أيضاً في إفساده، وقالوا: الدموع لا تردد في الخد كما يتردد الحباب في الكأس، وإنما الدموع تجري وتتابع، وهذه معارضة لا تلزمه، لأن التردد قد يكون الجولان وقد يكون التتابع لأنك تقول:«تتابعت رسلي إليك وترددت، وتواترت كتبي وترددت» وقد يجري الحباب في الكأس إلى جهة واحدة كما يجري الدمع في الخد إلى جهة واحدة، ويقف الدمع في صحن الخد، كما تقف الحباب في صحن الكأس، وما تشبيه هو أليق ولا أحسن من تشبيه حمرة الخمر بحمرة الخد وحمرة الخد بحمرة الخمر، فإذا وصف الحباب فمن أليق التشبيه أن يشبه بالدمع وهذا بيت في غاية الحسن والصحة.
وقوله:«يسقيكها رشأ يردها سكرى» مبالغة حسنة ومعنى في غاية الملاحة.
ولست أفضل أحدهما على الآخر في هاتين القطعتين، بل أجعلهما متكافئين.
وقال أبو تمام:
وقفت بها اللذات في متنفس ... من الغيث يسقي روضة ثرى جعد
وصفراء أحدقنا بها في حدائق ... تجود من الأثمار بالثعد والمعد