للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحاجب، يلعب به كما يلعب السنور بالفأرة، وأنت أمرت أن لا تذكر به لاشتداد غضبك عليه، فلم يقدم أحد على إذكارك، فقال: لا يبقى منكم أحد إلا يلقاه.

فتوجه الناس كلهم نحوه، وأخرج من الجب فلم يبصر شيئاً لما عاين الضوء، وجعل الأمراء يسلمون عليه فلا يعرفهم حتى يعرفوه أنفسهم، فأدخل الحمام وصب على رأسه الماء الفاتر وعولج ساعة حتى ألف الضوء.

وتوجه الناس وهو معهم إلى دار الخلافة، فوقف على دابته بباب العامة، فقيل له: ادخل، فقال: قد كانت لي مرتبة أنزل عندها، ثم سخط علي، فلست أدري أي مرتبة أرتب، فوصل الناس إلى المتوكل، وهو يتشوفه، فقيل: إنه لا يدري أي مرتبة يرتب، ولا أين ينزل عن دابته، فقال: على بساطي هذا، فدخل مرتباً في أجل المراتب وله مع المتوكل في هذا المعنى خطاب، ثم ولاه الثغور، وزاده إلى ما كان في يده أمصاراً كثيرة.

وقال البحتري فيه وهو في حبس أبي الخير النصراني كاتب سعيد:

يا ضيعة الدنيا وضيعة أهلها ... والمسلمين وضيعة الإسلام

طلبت دخول الشرك في دار الهدى ... بين المداد وألسن الأقلام

هذا ابن يوسف في يدي أعدائه ... يجزى على الأيام بالأيام

نامت بنو العباس عنه ولم تكن ... عنه أمية لو رعت بنيام

ويقال: إن هذه الأبيات بلغت المتوكل فرضي عنه، والسبب هو الأول.

ومما لا يفي بحسنه وصحته وجودته وحلاوته شيء قوله في علة اعتلها الفتح

<<  <  ج: ص:  >  >>