ق ال ابن عباس: هم الكفار، {يَتَّبِعُهُمُ} ضلال الجن والإنس، وقيل: {الْغَاوُونَ} الزائلون عن الحق، ودل بهذا أن الشعراء أيضاً غاوون؛ لأنهم لو لم يكونوا غاوين ما كان أتباعهم كذلك، وقد قدمنا في سورة (النور) أن من الشعر ما يجوز إنشاده ويكره ويحرم، روى مسلم من حديث عمرو بن الشريد عن أبيه قال: ردفت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوماً فقال: ((هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء)) قلت: نعم قال: ((هيه)) فأنشدته بيتاً فقال: ((هيه)) ثم أنشدته بيتاً فقال: ((هيه)) حتى أنشدته مائة بيت.
هكذا صواب هذا السند وصحيح روايته، وقد وقع لبعض رواة كتاب مسلم: عن عمرو بن الشريد عن الشريد أبيه -وهو وهم-؛ لأن الشريد هو الذي أردفه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واسم أبي الشريد سويد، وفي هذا دليل على حفظ الأشعار.
كيف جاء الوهم؟ صوابه: روى مسلم من حديث عمرو بن الشريد عن أبيه، ووقع لبعض رواة كتاب مسلم: عن عمرو بن الشريد عن الشريد أبيه؟ في إشكال؟ في وهم؟
طالب: لا.
نعم ما في وهم إلا إن الذي في مسلم غير هذا، إن كان عن عمرو بن الشريد عن الشريد عن أبيه؟ نعم يكون وهم.
وفي هذا دليل على حفظ الأشعار والاعتناء بها إذا تضمنت الحكم والمعاني المستحسنة شرعاً وطبعاً، وإنما أستكثر النبي -صلى الله عليه وسلم- من شعر أمية؛ لأنه كان حكيماً، ألا ترى قوله -عليه السلام-: ((وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم)) فأما ما تضمن ذكر الله وحمده والثناء عليه فذلك مندوب إليه كقول القائل:
وجاء فيه أنه آمن شعره ولم يؤمن قلبه –نسأل الله السلامة والعافية-.
الحمد لله العلي المنان ... صار الثريد في رؤوس العيدان
أو ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو مدحه كقول العباس:
من قبلها طبت في الظلال وفي ... مستودع حيث يخصف الورقُ
ثم هبطت البلاد لا بشر ... أنت ولا مضغة ولا علقُ
بل نطفة تركب السفين وقد ... ألجم نسراً وأهله الغرقُ
تنقل من صالب إلى رحم إذا ... مضى عالَم بدا طبقُ
فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يفضض الله فاك))، أو الذب عنه كقول حسان:
هجوت محمداً فأجبتُ عنه ... وعند الله في ذالك الجزاءُ