ولم يكتف بذلك، بل جعل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا»(رواه مسلم).
«وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا»؛ لأنها أقرب إلى الرجال، برغم أن المصليات مستقلة!
فمن تأمل تصرف النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في التفريق والتمييز بين (اختلاط المطاف واختلاط المصلى) وكيف تسامح في أحدهما وتحفظ في الآخر، علم علمًا قطعيًا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قاصد إلى التمييز بين هذه الصور، وعدم وضعها موضعًا واحدًا، وبالتالي فالاختلاط الذي يأخذ زمنًا دوريًا متكررًا لايجوز أن يقاس على الاختلاط العابر الذي يأخذ زمنًا يسيرًا عارضًا.
ومن صور الاختلاط التي ميز النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بينها (الفتيا ومجلس العلم)، ففي الفتيا ـ لأنها مسألة واحدة في زمن يسير عابر ـ كانت المرأة تأتي وتسأل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى لو كان حوله رجال، لأنه اختلاط عارض في زمن يسير عابر، ومن ذلك أن تميمة بنت وهب امرأة رفاعة القرظي جاءت تستفتي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في أمر طلاقها وفي المجلس أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كأبي بكر وخالد بن سعيد بن العاص، والقصة بتفصيلها رواها البخاري ومسلم.
ولكن في مجلس العلم ـ بسبب أنه اختلاط مُكْث ومجالسة ويأخذ زمنًا يحصل به رفع الكلفة وإلف كل من الطرفين للآخر ـ فإن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يأذن للنساء أن يختلطن بالرجال، بل فصل بينهم، ووضع لكل منهم مجلسًا مستقلًا، كما في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال:«قَالَتْ النِّسَاءُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ؛ فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ»، فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ» (رواه البخاري).