للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٨٨٧٩ - (م د ت) ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: «إن الله زَوَى لِي الأرضَ، فرأيتُ مشارقها ومغاربها، وإن أُمَّتي سيبلغ ملكُها ما زُوِيَ لي منها، وأُعطيتُ الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي: أن لا يهلكها بِسَنَةٍ عامَّة، وأن لا يُسَلِّط عليهم عدوَّاً من سوى أنفسهم، فيستبيحَ بَيْضتَهم، وإن ربي قال: يا محمد، إذا قضيتُ قضاءً فإنه لا يُرَدُّ، وإني أعطيتك لأمتك: أن لا أهلكهم بِسَنَةٍ عامَّة، ولا أسلّط عليهم عدوّاً [من] سوى أنفسهم يستبيحُ بيضتَهم، ولو اجتمع عليهم مَنْ بأقطارها - أو قال: من بين أقطارها- حتى يكون بعضهم يُهْلِك بعضاً، ويَسبي بعضهم بعضاً» .

وفي رواية: أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله زَوَى لي الأرض حتى رأيتُ مشارقها ومغاربها، وأعطاني الكنزين: الأحمر والأبيض» ثم ذكر نحوه. أخرجه مسلم.

وزاد أبو داود «وإنما أخاف على أُمَّتي الأئمة المضلِّين، وإذا وُضِعَ السيف في أُمَّتي لم يَرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى تلتحق قبائل من أُمَّتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أُمَّتي الأوثان، وإنه سيكون في أُمَّتي كذَّابون ثلاثون، كُلُّهم يزعم أنه نبيٌّ، وأنا خاتم النبيين، لا نبيَّ بعدي ولا تزال طائفة من أُمَّتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتيَ أمر الله» . ⦗٣١٧⦘

وقد أخرج مسلم بعض هذه الزيادة عن ثوبان، وهي قوله: «لا تزال طائفة من أُمَّتي ظاهرين ... إلى آخرها» .

وقد أخرج الترمذي الزيادة كلها مفردة، وهو مذكور في «كتاب الفتن» من حرف الفاء (١) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(بسَنَةٍ عامَّة) السَّنَةُ: الجَدْبُ والشِّدَّة. والعامَّة: التي تَعُمُّ الكُلَّ.

(زُوِيَ لي) زَويت الشيء لفلان، أي: جمعته له وضممته إليه، وقوله: «وإن ملك أُمَّتي سيبلغ ما زُوِيَ لي منها» من معجزاته - صلى الله عليه وسلم-، لأن ملك أُمَّته بلغ من المشارق والمغارب كثيراً واسعاً، أمَّا من الغرب: فإلى منتهى الأرض وأمَّا من الشرق: فإلى أقاصي العِمارة، والباقي من الشرق يسيرٌ بالنسبة إلى المملوك منه، وأما جهة الجنوب وجهة الشمال: فلم يبلغ ملك الأمة الإسلامية فيهما كثيراً مبلَغَه في جِهَتي الشرق والغرب، فكان هذا منه - صلى الله عليه وسلم- إخباراً عما يقع في المستقبل.

وقال الخطابي: قوله: ما زُوِيَ لي منها «يتوهم بعض الناس: أن ⦗٣١٨⦘ حرف «من» هاهنا معناه: التبعيض، وليس كذلك، وإنما معناه: التفصيل للجملة المتقدِّمة، والتفصيل لا يناقض الجملة، ولا يُبطل شيئاً منها، لكنه يأتي عليها شيئاً شيئاً، ويستوفيها جزءاً جزءاً، والمعنى: أنَّ الأرض زُوِيَت جملتها له مرة واحدة، ثم يُفتَح له جزءٌ جزءٌ منها، حتى يأتيَ عليها كُلَّها فيكون هذا معنى التبعيض فيها، وهذا القول كما تراه.

والذي ينبغي أن يقال في ذلك: إن قوله: «زويت لي الأرض» أي: جمعت، فرأيت مشارقها ومغاربها، اعتراف منه أنه لما زويت له، لم ير إلا مشارقها ومغاربها، وقوله: «وسيبلغ ملك أُمَّتي ما زُوِيَ لي منها» يعني المشارق والمغارب التي رآها، لأنه لما قصَر رؤيته على المشارق والمغارب، كان كأنما زُوي له من الأرض ما رآه منها، وهذا ظاهر، فإنا نَعلم أن الأرض إذا زويت له فنظر إليها فإنه يبقى منها أماكن لا يراها، وهي ما كان من الجهة المقابلة لموضع نظره مما تحت الأرض، فيكون معنى قوله: «ما زُوي لي منها» أي: ما وقع نظري عليه منها، فيكون «من» للتبعيض حقيقة في هذا المكان، وهذا يقتضي أنَّ ملك الأُمَّة لا يستوعب الأرض جميعها، لأنه قصَر ملك أُمَّته على ما رآه منها، ويعضدُ ذلك: كون الحالة هكذا.

(بَيْضَةُ الناس) : مجتمعهم ومعظمهم، وبيضَةُ البلد: وسطُه ومعظمه، ⦗٣١٩⦘ و «استباحهم» : جعلهم مُبَاحاً، يأخذهم أسراً وقتلاً، ويتصرُّف فيهم كيف شاء.


(١) رواه مسلم رقم (٢٨٨٩) في الفتن، باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض، والترمذي رقم (٢١٧٧) في الفتن، باب ما جاء في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً في أمته، أبو داود رقم (٤٢٥٢) في الفتن، باب ذكر الفتن ودلائلها.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
١- أخرجه أحمد (٥/٢٧٨) قال: حدثنا سليمان بن حرب. وفي (٥/٢٨٤) قال: حدثنا عفان ومسلم (٨/١٧١) قال: حدثنا أبو الربيع العتكي، وقتيبة بن سعيد وأبو داود (٤٢٥٢) قال: حدثنا سليمان بن حرب، ومحمد بن عيسى والترمذي (٢١٧٦) قال: حدثنا قتيبة.
خمستهم - سليمان، وعفان، وأبو الربيع، وقتيبة، ومحمد بن عيسى - عن حماد بن زيد، عن أيوب.
٢- وأخرجه مسلم (٨/١٧١) قال: حدثني زهير بن حرب، وإسحاق بن إبراهيم، ومحمد بن المثنى، وبن بشار، عن معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي وابن ماجة (٣٩٥٢) قال: حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا محمد بن شعيب بن شابور، قال: حدثنا سعيد بن بشير.
كلاهما -هشام، وسعيد - عن قتادة.
كلاهما - أيوب، وقتادة - عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، فذكره.
٣- أخرجه أحمد (٥/٢٧٨) قال: حدثنا عبد الرحمن. وفي (٥/٢٧٨) قال: حدثنا سليمان بن حرب. وفي (٥/٢٨٤) قال: حدثنا عفان. والدارمي (٢١٥ و٢٧٥٥) قال: أخبرنا سليمان بن حرب. وأبو داود (٤٢٥٢) قال: حدثنا سليمان بن حرب. ومحمد بن عيسى. والترمذي (٢٢٢٩) قال: حدثنا قتيبة.
خمستهم - عبد الرحمن، وسليمان، وعفان، ومحمد، وقتيبة - عن حماد بن زيد، عن أيوب.
٤-وأخرجه ابن ماجة (٣٩٥٢) قال: حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا محمد بن شعيب بن شابور، قال: حدثنا سعيد بن بشر، عن قتادة.

<<  <  ج: ص:  >  >>