للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

٤٨١ - (خ م ط ت د س) - عروة بن الزبير - رضي الله عنهما: قال: سألتُ عائشة - رضي الله عنها -، فقلتُ لها: أَرَأَيْتِ قولَ الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَن حجَّ البيت أَوِ اعْتَمَرَ فلا جناحَ عليه أنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: ١٥٨] فواللهِ (١) ما على أحدٍ جناحٌ أن لا يطَّوَّفَ بالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، قالت: ⦗١٦⦘ بئسما قُلْتَ يا ابن أُخْتِي، إن هذه لو كانت على ما أَوَّلْتَهَا: كانت لا جناحَ عليه أن لا يطَّوَّف بهما، ولكنها أُنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن يُسلِموا يُهِلُّونَ لِمَناةَ (٢) الطَّاغِيَةِ، التي كانوا يعبدونها عند المُشلَّل، وكان مَن أهَلَّ لها يتحرَّجُ أنْ يطَّوَّفَ بِالصَّفَا وَالمَرْوَة، فلما أسلَموا سألوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقالوا: يا رسول الله، إنَّا كُنَّا نتحرَّجُ أن نطَّوَّفَ بين الصَّفَا والمروَةِ؟ فَأنزلَ اللَّهُ عز وجل: {إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ} ... الآية [البقرة: ١٥٨] ، قالت عائشة - رضي الله عنها -: ⦗١٧⦘ وقد سَنَّ (٣) رسول الله صلى الله عليه وسلم الطَّوافَ بينهما، فليس لأحدٍ أن يترك الطواف بينهما.

قال الزهري: فأخبرتُ أبا بكر بن عبد الرحمن، فقال: إن هذا العِلْم (٤) ما كنتُ سمعتُه، ولقد سمعتُ رجالاً من أهل العلم يذكرون أنَّ الناس - إلا من ذكرتْ عائشةُ (٥) ممن كان يُهِلُّ لِمَنَاةَ - كانوا يطوفون كلُّهم بالصفا والمروةِ، فلما ذكر الله الطَّوافَ بالبيت، ولم يذكُر الصَّفَا والمروة في القرآن، قالوا: يا رسول الله، كُنَّا نطُوف بالصفا والمروةِ، وإن الله أنزل الطواف بالبيت، ولم يذكر الصفا، فهل علينا من حرجٍ أن نطَّوَّف بالصفا والمروة؟ فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية ... قال أبو بكر: فأَسمَعُ (٦) ⦗١٨⦘ هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما، في الذين كانوا يتحرَّجون أن يطَّوَّفوا في الجاهلية بين الصفا والمروة، والذين كانوا يطَّوَّفُونَ ثم تحرَّجُوا أن يطَّوَّفُوا بِهِما في الإسلام، من أجل أن الله تعالى أمر بالطواف بالبيت، ولم يذكر الصفا حتى ذكر ذلك بعد ما ذكر الطواف بالبيت (٧) .

وفي رواية: «أنَّ الأنصار كانوا - قبل أن يُسْلِمُوا - هم وغسَّانُ يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ، فَتَحَرَّجُوا أَن يَطَّوَّفوا بين الصفا والمروة، وكان ذلك سُنَّة في آبائِهم، من أحْرمَ لمناةَ لم يطُفْ بين الصفا والمروةِ، وإنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك حين أسلموا، فأنزل الله تعالى في ذلك {إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ} وذكر إلى آخر الآية» . أخرجه البخاري ومسلم.

ولهما رواياتٌ أُخر لهذا الحديث، تجيء في كتاب الحج من حرف الحاء.

وأخرجه الترمذي والنسائي بنحوٍ من الرواية الأولى، وهذه أتمُّ.

وأخرجه الموطأ وأبو داود نحوها، وفيه: وكانت مناة حذْوَ قُدَيدٍ، وكانوا يتحرَّجونَ أن يطَّوَّفوا بين الصَّفا والمروة ... الحديث. ⦗١٩⦘

وهذه الرواية قد أخرجها البخاري ومسلم، وستَرِدُ في كتاب الحج (٨) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(الصفا والمروة) : هما الجبلان بمكة، وهما منتهى المسعى من الجانبين.

وحقيقة الصفا في اللغة: جمع صفاة، وهي الحجر الأملس، والمروة: الحجرُ الرَّخو.

(يُهِلُّون لِمَنَاةَ) مناة: صنم كان لهذيل وخزاعة، بين مكة والمدينة، والهاء فيها للتأنيث، والوقف عليها بالتاء، والإهلالُ، رفع الصوت بالتلبية.

(يَتَحَرَّجُونَ) التَّحَرُّجُ تَفَعُّلٌ من الحرج، وهو الضيق والإثم، يعني: أنهم كانُوا لا يسعَوْنَ بين الصفا والمروة خُروجاً من الحرج والإثم.

(شَعائِر) جمع شعيرة، وهي معالم الإسلام.

(المُشَلَّلُ) : موضع بين مكة والمدينة، وكذلك قُدَيْد.


(١) قال الحافظ في " الفتح " ٣ / ٣٩٨ تعليقاً على قوله: " فو الله ما على أحد جناح ألا يطوف بهما ... الخ " محصله: أن عروة احتج للإباحة باقتصار الآية على رفع الجناح، فلو كان واجباً، لما اكتفى بذلك؛ لأن رفع الإثم علامة المباح، ويزداد المستحب بإثبات الأجر، ويزداد الوجوب عليهما بعقاب التارك، ومحصل جواب عائشة: أن الآية ساكتة عن الوجوب وعدمه، مصرحة برفع الإثم عن الفاعل، وأما المباح فيحتاج إلى رفع الإثم عن التارك، والحكمة في التعبير بذلك مطابقة جواب السائلين؛ ⦗١٦⦘ لأنهم توهموا من كونهم كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية أنه لا يستمر في الإسلام، فخرج الجواب مطابقاً لسؤالهم، وأما الوجوب فيستفاد من دليل آخر، ولا مانع أن يكون الفعل واجباً، ويعتقد إنسان امتناع إيقاعه على صفة مخصوصة، فيقال له: لا جناح عليك في ذلك، ولا يستلزم ذلك نفي الوجوب، ولا يلزم من نفي الإثم عن الفاعل نفي الإثم عن التارك، فلو كان المراد مطلق الإباحة لنفي الإثم عن التارك، وقد وقع في بعض الشواذ باللفظ الذي قالت عائشة " أنها لو كانت للإباحة لكانت كذلك " حكاه الطبري وابن أبي داود في " المصاحف " وابن المنذر وغيرهم عن أبي بن كعب وابن مسعود وابن عباس، وأجاب الطبري بأنها محمولة على القراءة المشهورة، و " لا " زائدة، وكذا قال الطحاوي، وقال غيره: لا حجة في الشواذ إذا خالفت المشهور، وقال الطحاوي أيضاً: لا حجة لمن قال: السعي مستحب بقوله {فمن تطوع خيراً} ؛ لأنه راجع إلى أصل الحج والعمرة لا إلى خصوص السعي، لإجماع المسلمين على أن التطوع بالسعي لغير الحاج والمعتمر غير مشروع.

(٢) قال الحافظ ٣ / ٣٩٨ بفتح الميم والنون الخفيفة: صنم كان في الجاهلية، وقال ابن الكلبي: كانت صخرة نصبها عمرو بن لحي لهذيل، وكانوا يعبدونها، و " الطاغية " صفة لها إسلامية، و " المشلل " بضم أوله وفتح المعجمة وفتح اللام الأولى مثقلة: هي الثنية المشرفة على قديد. زاد سفيان عن الزهري: " بالمشلل من قديد " أخرجه مسلم، وأصله للمصنف كما سيأتي في تفسير النجم. وله في تفسير البقرة من طريق مالك عن هشام بن عروة عن أبيه قال: " قلت لعائشة - وأنا يومئذ حديث السن - فذكر الحديث " وفيه " كانوا يهلون لمناة، وكانت مناة حذو قديد " أي: مقابله، وقديد بقاف مصغراً: قرية جامعة بين مكة والمدينة كثيرة المياه. قاله أبو عبيد البكري.
(٣) أي: فرضه بالسنة، وليس مراده نفي فريضتها، ويؤيده قولها " لم يتم الله حج أحد ولا عمرته ما لم يطف بينهما " قاله الحافظ.
(٤) قال الحافظ: كذا للأكثر، أي أن هذا هو العلم المتين، وللكشمهيني " إن هذا لعلم " بفتح اللام وهي المؤكدة وبالتنوين على أنه الخبر.
(٥) قال الحافظ: إنما ساغ له هذا الاستثناء مع أن الرجال الذين أخبروه أطلقوا ذلك، لبيان الخبر عنده من رواية الزهري له عن عروة عنها، ومحصل ما أخبر به أبو بكر بن عبد الرحمن: أن المانع لهم من التطوف بينهما: أنهم كانوا يطوفون بالبيت وبين الصفا والمروة في الجاهلية، فلما أنزل الله الطواف بالبيت، ولم يذكر الطواف بينهما، ظنوا رفع ذلك الحكم، فسألوا: هل عليهم من حرج إن فعلوا ذلك؟ بناء على ما ظنوه من أن التطوف بينهما من فعل الجاهلية، ووقع في رواية سفيان المذكورة " إنما كان من لا يطوف بينهما من العرب يقولون: إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية "، وهو يؤيد ما شرحناه أولاً.

(٦) كذا في معظم الروايات بإثبات الهمزة وضم العين، بصيغة المضارعة للمتكلم، وضبطه الدمياطي في نسخته بالوصل وسكون العين بصيغة الأمر، والأول أصوب، وقد وقع في رواية سفيان المذكورة ⦗١٨⦘ " فأراها نزلت " وهو بضم الهمزة أي: أظنها.
قال الحافظ: وحاصله أن سبب نزول الآية على هذا الأسلوب: كان للرد على الفريقين الذين تحرجوا أن يطوفوا بهما، لكونه عندهم من أفعال الجاهلية، والذين امتنعوا من الطواف بهما.

(٧) قال الحافظ يعني: تأخر نزول آية البقرة في الصفا والمروة عن آية الحج، وهو قوله تعالى: {وليطوفوا بالبيت العتيق} ، ووقع في رواية المستملي وغيره " حتى ذكر بعد ذلك ما ذكر الطواف بالبيت " وفي توجيهه عسر، وكأن قوله " الطواف بالبيت " بدل من قوله ما ذكر.
(٨) أخرجه البخاري ٣ / ٣٩٨، ٤١١ في الحج، باب وجوب الصفا والمروة. وباب يفعل في العمرة ما يفعل في الحج، وفي تفسير سورة البقرة، باب قوله: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} ، وفي تفسير سورة النجم، وأخرجه مسلم رقم (١٢٧٧) في الحج، باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به، والموطأ ١ / ٣٧٣ في الحج، باب جامع السعي، والترمذي رقم (٢٩٦٩) في تفسير القرآن، في باب ومن سورة البقرة، وأبو داود رقم (٣٩٠١) في المناسك، باب أمر الصفا والمروة، والنسائي ٥ / ٢٣٨ و ٢٣٩ في الحج، باب ذكر الصفا والمروة، وأخرجه ابن ماجة أيضاً رقم (٢٩٨٦) في المناسك، باب السعي بين الصفا والمروة، وأحمد في المسند ٦ / ١٤٤ و ٢٢٧، والطبري رقم (٢٣٥٠) .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح: ١ - أخرجه مالك «الموطأ» صفحة (٢٤٣) ، والبخاري (٣/، ٧ ٦/٢٨) قال: حدثنا عبد الله ابن يوسف، قال: أخبرنا مالك، ومسلم (٤/٦٨) قال: حدثنا يحيى بن يحيى، قال: حدثنا أبو معاوية (ح) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو أسامة، و «أبو داود» (١٩٠١) قال: حدثنا القعنبي عن مالك (ح) وحدثنا ابن السرح قال: حدثنا ابن وهب عن مالك، و «ابن ماجه» (٢٩٨٦) قال: حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو أسامة، والنسائي في الكبرى (تحفة الأشراف) (١٢/١٧١٥١) عن محمد بن سلمه، والحارث بن مسكين كلاهما عن عبد الرحمن بن القاسم عن مالك، و «ابن خزيمة» (٢٧٦٩) قال: حدثنا محمد بن العلاء ابن كريب قال: حدثنا عبد الرحيم يعني ابن سليمان.
أربعتهم -مالك، وأبو معاوية، وأبو أسامة، وعبد الرحيم بن سليمان- عن هشام بن عروة.
٢- وأخرجه الحميدي (٢١٩) قال: حدثنا سفيان، وأحمد (٦/١٤٤) قال: حدثنا سليمان بن داود الهاشمي قال: أخبرنا إبراهيم يعني ابن سعد، وفي (٦/١٦٢) قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر، وفي (٦/٢٢٧) قال: حدثنا أبو كامل. قال: حدثنا إبراهيم. والبخاري (٢/١٩٣) قال: حدثنا أبو اليمان. قال: أخبرنا شُعيب. وفي (٦/١٧٦) قال: حدثنا الحُميدي. قال: حدثنا سفيان. ومسلم (٤/٦٩) قال: حدثنا عمرو الناقد وابن أبي عُمر، جميعا عن ابن عُيَيْنة. قال ابن أبي عُمر: حدثنا سُفيان. (ح) وحدثني محمد بن رافع. قال: حدثنا حُجَين بن المثنى. قال: حدثنا لَيْث، عن عُقيل. وفي (٤/٧٠) قال: حدثنا حرملة بن يحيى. قال: أخبرنا ابن وهب. قال: أخبرني يونس. والترمذي (٢٩٦٥) قال: حدثنا ابن أبي عُمر. قال: حدثنا سفيان. والنسائي (٥/٢٣٧) قال: أخبرنا محمد بن منصور، قال: حدثنا سفيان. والنسائي (٥/٢٣٧) قال: أخبرنا محمد بن منصور. قال: حدثنا سُفيان. وفي (٥/٢٣٨) قال: أخبرني عمرو بن عثمان. قال: حدثنا أبي، عن شُعيب. وابن خزيمة (٢٧٦٦) قال: حدثنا عبد الجبار بن العلاء. قال: حدثنا سُفيان. (ح) وحدثنا المخزومي. قال: حدثنا سُفيان. وفي (٢٧٦٧) قال: حدثنا عيسى بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن وهب، عن يونس. ستتهم - سفيان بن عُيَيْنَة، وإبراهيم بن سعد، ومَعْمَر، وشُعيب بن أبي حمزة، وعُقيل ابن خالد، ويونس بن يزيد- عن ابن شهاب الزهري.
كلاهما -هشام، والزهري- عن عروة بن الزبير، فذكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>