للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عمار بن ياسر «١» رضي الله عنه حيث ابتلي به، وقال له النبي عليه الصلاة والسلام: «كيف وجدت قلبك؟ قال مطمئنا بالإيمان. فقال عليه السلام فإن عادوا فعد» «٢»، وفيه نزل قوله تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ «٣» الآية. وروي أنّ المشركين أخذوه ولم يتركوه حتى سبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير ثم تركوه، فلمّا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«ما دراك «٤». قال: شرّ. ما تركوني حتى نبلت «٥» منك وذكرت آلهتهم بخير. فقال كيف تجد قلبك؟ قال: أجده مطمئنا بالإيمان. قال عليه السلام: فإن عادوا فعد إلى طمأنينة القلب بالإيمان» «٦». وما قيل فعد إلى ما كان منك من النّبل «٧» مني وذكر آلهتهم بخير، فغلط لأنّه لا يظنّ برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه يأمر أحدا بالتكلّم بكلمة الكفر. وإن صبر حتى قتل ولم يظهر الكفر كان مأجورا لأنّ خبيبا «٨» رضي الله عنه صبر على ذلك حتى صلب وسمّاه رسول الله صلى الله عليه وسلّم سيّد الشهداء، وقال في مثله:

«هو رفيقي في الجنة» «٩». وقصته أنّ المشركين أخذوه وباعوه من أهل مكة فجعلوا يعاقبونه على أن يذكر آلهتهم بخير ويسبّ محمدا صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهو يسب آلهتهم ويذكر محمدا صلى الله عليه وسلم بخير، فأجمعوا على قتله. فلما أيقن أنهم قاتلوه سألهم أن يدعوه ليصلّي ركعتين فأوجز صلاته وقال: إنّما أوجزت لكيلا تظنّوا أنّي أخاف القتل. ثم سألهم أن يلقوه على وجهه ليكون ساجدا حتى يقتلوه فأبوا عليه ذلك. فرفع يديه إلى السماء وقال: اللهم إنّي لا أرى هاهنا إلّا وجه عدوّ فاقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام. ثم قال: اللهم احص هؤلاء عددا واجعلهم مددا ولا تبق منهم أحدا. ثم أنشأ يقول:

ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي جنب كان لله مصرعي فلمّا قتلوه وصلبوه تحوّل وجهه إلى القبلة، وسمّاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أفضل الشهداء، وقال هو رفيقي في الجنّة. وهكذا في الهداية والكفاية.

والثاني وهو الذي هو رخصة حقيقة ولكنه دون الأول وتسمّى رخصة قاصرة فهو ما استبيح مع قيام المحرّم دون الحرمة كإفطار المسافر، فإنّ المحرّم للإفطار وهو شهود الشهر قائم لقوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ «١٠»،


(١) هو عمار بن ياسر بن عامر الكناني العنسي القرطاني، أبو اليقظان. ولد عام ٥٧ ق. هـ/ ٥٦٧ م. وتوفي عام ٣٧ هـ/ ٦٥٧ م.
صحابي جليل من السابقين إلى الإسلام. هاجر إلى المدينة وشهد بدرا وأحدا وبيعة الرضوان. قاتل مع علي وقتل في صفين، روى بعض الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. الأعلام ٥/ ٣٦، الاستيعاب ٢/ ٤٦٩، الطبري ٦/ ٢١، حلية الأولياء ١/ ١٣٩، صفة الصفوة ١/ ١٧٥.
(٢) حلية الأولياء للأصبهاني، ج ١، ص ١٤٠.
(٣) النحل/ ١٠٦.
(٤) ما وراءك (م) ما أدراك (ع).
(٥) نلت (م، ع).
(٦) حلية الأولياء للأصبهاني، ج ١، ص ١٤٠.
(٧) النيل (م).
(٨) هو خبيب بن عدي بن مالك بن الأوس الأنصاري. من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم. شهد بدرا واستشهد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. الإصابة ٢/ ١٠٣.
(٩) جاء بلفظ (لكل نبي رفيق، ورفيقي في الجنة عثمان) سنن الترمذي، كتاب المناقب، باب مناقب عثمان، ح (٣٦٩٨)، ٥/ ٦٢٤. ولم نعثر هو رفيقي في الجنة لغيره ...
(١٠) البقرة/ ١٨٥.