للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مثلا إذا طلب رجل شيئا ضيّعه قبل ذلك تقول له: ضيّعت اللّبن بالصيف بكسر تاء الخطاب لأنّ المثل قد ورد في امرأة، وذلك لأنّ الاستعارة يجب أن يكون لفظ المشبّه به المستعمل في المشبّه، فلو تطرق تغيّر إلى الأمثال لما كان لفظ المشبّه به بعينه فلا يكون استعارة فلا يكون مثلا. وتحقيق ذلك أنّ المستعار يجب أن يكون اللفظ الذي هو حقّ المشبّه به، أخذ منه عارية للمشبّه، فلو وقع فيه تغيير لما كان هو اللفظ الذي يختصّ المشبّه به فلا يكون أخذ منه عارية. وينبغي أن لا يلتبس عليك الفرق بين المثل والإشارة إلى المثل كما في ضيّعت على صيغة المتكلّم فإنّه مأخوذ من المثل وإشارة إليه فلا ينتقض به الحكم لعدم تغيّر الأمثال. وللأمثال تأثير عجيب في الآذان وتقرير غريب لمعانيها في الأذهان. ولكون المثل مما فيه غرابة استعير لفظه للحال أو الصفة أو القصة إذا كان لها شأن عجيب ونوع غرابة كقوله تعالى مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً «١» أي حالهم العجيب الشأن. وكقوله وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى «٢» أي الصفة العجيبة.

وكقوله مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ «٣» أي فيما قصصنا عليكم من العجائب قصّة الجنة العجيبة، هكذا من المطول وحاشيته لأبي القاسم والأطول.

فائدة:

في الإتقان أمثال القرآن قسمان: ظاهر مصرّح به كقوله مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً «٤» الآيات ضرب فيها للمنافقين مثلين مثلا بالنار ومثلا بالمطر، وكامن. قال الماوردي:

سمعت أبا إسحاق ابراهيم بن مضارب بن إبراهيم «٥» يقول: سمعت أبي يقول: سألت الحسين بن الفضل «٦» فقلت: إنّك تخرّج أمثال العرب والعجم من القرآن. فهل تجد في كتاب الله خير الأمور أوسطها؟ قال: نعم، في أربعة مواضع. قوله لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ «٧» وقوله وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً «٨» وقوله وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ «٩»، وقوله وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ «١٠» الآية. قلت فهل تجد فيه من جهل شيئا عاداه؟

قال: نعم، في موضعين بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ «١١» وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ «١٢». قلت فهل تجد فيه: لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين «١٣». قال هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ «١٤». قلت: فهل تجد فيه قولهم لا تلد الحيّة إلّا الحية؟ قال: وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً


(١) البقرة/ ١٧
(٢) الروم/ ٢٧
(٣) الرعد/ ٣٥
(٤) البقرة/ ١٧
(٥) من علماء اللغة وعلوم القرآن، لم نعثر له على ترجمة.
(٦) الحسين بن الفضل توفي عام ٢٨٢ هـ. وقد سبقت ترجمته.
(٧) البقرة/ ٦٨
(٨) الفرقان/ ٦٧
(٩) الاسراء/ ٢٩
(١٠) الاسراء/ ١١٠
(١١) يونس/ ٣٩
(١٢) الأحقاف/ ١١
(١٣) صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب لا يلدغ المؤمن، ح ١٥٧، ٨/ ٥٩
(١٤) يوسف/ ٦٤