للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجعل ينقل تلك الآلات إلى مكامن في الدار يخبؤها فيها، وكلما قدم إليه ربها شيئًا أو آلة حدّث نفسه بملكه واختصاصه به عن سائر الأضياف، ورب الدار يشاهد ما يصنع، وكرمه يمنعه من إخراجه من داره، حتى إذا ظن أنه قد استبدّ بتلك الآلات وملك الدار وتصرّف فيها وفي آلاتها تَصَرُّف المالك الحقيقي، واستوطنها واتخذها دارًا له، أرسل إليه مالكُها عبيدَه فاخرجوه منها إخراجًا عنيفًا، وسلبوه كل ما هو فيه، ولم يصحبه من تلك الآلات شيء، وحصل على مقت رب الدار له وافتضاحه عنده وبين مماليكه وحشمه.

فليتأمل اللبيب هذا المثال حق التأمل، فإنه مطابق للحقيقة، واللَّه المستعان.

قال عبد اللَّه بن مسعود: "كل أحد في هذه الدنيا ضيف، وماله عارية، فالضيف مرتحل، والعارية مؤدّاة" (١).

وفي "الصحيحين" عن أنس بن مالك قال: مات ابن لأبي طلحة من أم سليم، فقالت لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة بابني حتى أكون أنا أحدثه، فجاء (فقرّبت إليه) (٢) عشاء، فأكل وشرب. قال: ثم تصنّعت له أحسن ما كانت تصنّع قبل ذلك، فوقع بها، فلما رأت أنه قد شبع وأصاب منها، قالت: يا أبا طلحة: أرأيت لو أن قومًا أعاروا عاريتهم أهل بيت، فطلبوا عاريتهم، ألَهم أن يمنعوه؟ قال: لا، قالت: فاحتسب ابنك. قال: فغضب، فقال: تركتيني حتى تلطّخت ثم أخبرتيني بابني!! فانطلق حتى


(١) سبق تخريجه ص (٤٢٨).
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، واستدركته من النسخ الثلاث الأخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>