للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكل نعمة لا تقرّب من اللَّه فهي بليّة، وإذا رأيت اللَّه يتابع عليك نعمه وأنت تعصيه، فاحذره (١).

وذكر أبو صالح كاتب الليث عن هِقْل عن الأوزاعي أنه وعظهم فقال (٢) في موعظته: "أيها الناس، تقوّوا (٣) بهذه النعم التي أصبحتم فيها على الهرب من نار اللَّه الموقدة التي تطلع على الأفئدة، فإنكم في دارٍ الثواءُ فيها قليل، وأنتم فيها مُرْجَون خلائف من بعد القرون التي استقبلوا من الدنيا آنفها وزهرتها (٤)، فهم كانوا أطول منكم أعمارًا، وأمدّ أجسامًا، وأعظم آثارًا، فقطعوا الجبال وجابوا (٥) الصخور، ونقّبوا في البلاد مؤيدين ببطشٍ شديد وأجساد كالعماد، فما لبثت الأيام والليالي أن طوت مددهم، وعفت آثارهم، وأخْوَت منازلهم، وأَنْست ذكرَهم، فما تحسّ منهم من أحد ولا تسمع لهم ركزًا، كانوا يلهون آمنين لبيات قوم


= الإيمان" رقم (٤٤٨٨)، عن صالح بن مسمار.
وروى نحوه أبو نعيم في "الحلية" (٧/ ٨٢)، عن الثوري، وفي (٧/ ٣٠٥) عن ابن عيينة.
(١) هذا من كلام أبي حازم أيضًا، إلا أنه بإسناد آخر، وقد سبق ص (٢٤٣) تخريج قوله: "كل نعمة لا تقرب من اللَّه فهي بليّة".
أما قوله: "وإذا رأيت. . . " الخ، فقد رواه ابن أبي الدنيا في "الشكر" رقم (٣١).
(٢) ليست في الأصل، وأثبتها من النسخ الثلاث الأخرى.
(٣) في (ن): "اتقوا".
(٤) سقطت الواو في الأصل من كلمة: "وزهرتها"، وأثبتها من النسخ الثلاث الأخرى.
وآنفها أي أسرعها نباتًا. انظر: "لسان العرب" (٩/ ١٤).
(٥) أي خرقوا ونحتوا. انظر: "لسان العرب" (١/ ٢٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>