للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مسلمٍ قليلٌ جدّاً (١) ففي بعضِهِ نَظَرٌ. وينبغي أنْ نقولَ: ما كانَ مِنْ ذلكَ ونحوِهِ بلفظٍ فيهِ جَزْمٌ وحُكْمٌ بهِ على مَنْ عَلَّقَهُ عَنْهُ، فقدْ حَكَمَ بصِحَّتِهِ عَنْهُ (٢)، مثالُهُ: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَذا وكذا، قالَ ابنُ عبَّاسٍ: كذا، قالَ مجاهدٌ: كذا، قالَ عَفَّانُ: كذا، قالَ القَعْنَبِيُّ: كذا (٣)، روى أبو هريرةَ: كذا وكذا، وما أشبهَ ذلكَ مِنَ العباراتِ. فكلُّ ذلكَ حُكْمٌ


(١) بلغ ثلاثة مواضع فقط، وصل اثنان منها في صحيحه، ثمَّ لَمَّا احتاج تكرارها علَّقها فلم يبقَ فيه غير حديث واحد معلّق غير موصول، وهو حديث أبي الجهيم بن الحارث ((أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نحو بئر جمل ... الحديث))، حيث علَّقه مسلم بلفظ: ((وروى الليث بن سعد، عن جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز، عن عمير مولى ابن عباس أنه سمعه يقول: أقبلت أنا وعبد الرحمن بن يسار-مولى ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حتَّى دخلنا على أبي الجهيم فقال: ... الحديث)) صحيح مسلم ١/ ١٩٤ (٣٦٩). وهذا الحديث وصله أحمد ٤/ ١٦٩ من طريق أخرى، وهي طريق الحسن بن موسى، عن ابن لهيعة، عن الأعرج.
ومن طريق الليث وصله: البخاري ١/ ٩٢ (٣٣٧)، وأبو داود (٣٢٩)، والنسائي ١/ ١٦٥، وفي الكبرى (٣٠٧)، وابن خزيمة (٢٧٤)، وأبو عوانة ١/ ٣٠٧.
تنبيه: جميع من وصل الحديث ذكر: عبد الله بن يسار، وانفرد مسلم بقوله: عبد الرحمان بن يسار. وانظر: التقييد والإيضاح: ٣٢ - ٣٣، ونكت ابن حجر ١/ ٣٤٤ - ٣٥٣، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: ١١٨.
(٢) قال الزركشي في نكته ١/ ٢٣٦: ((وهذا الذي ذكره من أن صيغة الجزم تدل على صحة الحديث، والتمريض على ضعفه، قد تبعه عليه أكثر الناس، وقد اعترض عليه من جهتين: من جهة الصناعة، ومن جهة الاستقراء.
فإن كان هذا قاله من جهة الصناعة فلا شكَّ أن قول البخاري - مثلاً -: ((قال)) بصيغة الجزم ليس ما يرى من قول التابعي الكبير: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلفظ الجزم، وهو لا يقتضي صحة الحديث، فبذلك ترى البخاري إذا علَّق الحديث لم يفد الصحة)). ثمَّ قال:
((وأما الاستقراء فلا يساعده، فقد قال البخاري في كتاب العلم في باب الخروج في طلب العلم: رحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد. انتهى.
هكذا جزم به، ثم ذكره بصيغة التمريض في آخر الكتاب في الرد على الجهمية، فقال: ((ويذكر عن جابر بن عبد الله، عن عبد الله بن أنيس سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره.
فدلّ على استواء الصيغتين عنده، وإلاّ يلزم أن يكون الحديث الواحد ضعيفاً حسناً))، وقد ردَّ ابن حجر في الفتح ١/ ١٧٤ على قول الزركشي هذا فانظره، وتأمل!! وانظر: تعليقنا على شرح التبصرة والتذكرة ١/ ١٦٣ - ١٦٥.
(٣) قال العراقي في التقييد والإيضاح: ٣٣: ((أن قوله - في أمثلة ما حذف من مبتدأ إسناده واحد فأكثر -: قال عفان: كذا، قال القعنبي: كذا، ليس بصحيح، ولم يسقط من هذا الإسناد شيء، فإن عفان والقعنبي كلاهما من شيوخ البخاري الذين سمع منهم، فما روى عنهما -ولو بصيغة لا تقضي التصريح= =بالسماع - فهو محمول على الاتصال، وقد ذكره ابن الصلاح كذلك على الصواب في النوع الحادي عشر من كتابه في الرابع من التفريعات التي ذكرها فيه ... )) إلى آخر كلامه.

<<  <   >  >>