للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنْ ذَلِكَ ما وَقَعَ في " الصحيحينِ " و " الموطّأِ " وغيرِهَا، لكِنَّ أهلَ المعرفةِ مِنهُمْ يُنَبِّهُونَ عَلَى خَطَئِها عِندَ السَّماعِ (١) والقِرَاءةِ، وفي حواشي الكُتُبِ، مَعَ تَقْرِيرِهِمْ ما في الأُصُولِ عَلَى ما بَلَغَهُمْ.

ومِنْهُمْ مَنْ جَسَرَ عَلَى تغييرِ الكُتُبِ وإصْلاَحِها، مِنْهُمْ: أبو الوليدِ هِشامُ بنُ أحمدَ الكِنانِيُّ الوَقَّشِيُّ (٢)؛ فإنَّهُ لِكَثرةِ مُطالَعَتِهِ وافْتِنانِهِ وثُقُوبِ فَهْمِهِ وحِدَّةِ ذِهْنِهِ جَسَرَ عَلَى الإصلاحِ كثيراً، وغَلِطَ في أشْيَاءَ مِنْ ذَلِكَ. وكذلكَ غيرُهُ مِمَّنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُ.

والأَوْلَى سَدُّ بابِ التَّغْييرِ والإصْلاحِ؛ لِئَلاَّ يَجْسُرَ عَلَى ذَلِكَ مَنْ لاَ يُحْسِنُ، وهوَ أسْلمُ (٣) مَعَ التَّبيينِ فيذكُرُ ذَلِكَ عندَ السماعِ كما وقعَ، ثُمَّ يذكُرُ وجهَ صوابِهِ: إمَّا مِنْ جِهَةِ العربيَّةِ، وإمَّا مِنْ جِهَةِ الروايةِ، وإنْ شَاءَ قَرَأَهُ أوَّلاً عَلَى الصَّوابِ ثُمَّ قالَ: ((وَقَعَ عندَ شَيْخِنا، أو في روايتِنا، أو مِنْ طريقِ فُلانٍ كذا وكذا)). وهذا أَوْلَى مِنَ الأوَّلِ كَيْلاَ يُتَقَوَّلَ عَلَى رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ما لَمْ يَقُلْ.

وأصْلَحُ ما يُعْتَمَدُ عليهِ في (٤) الإصْلاحِ أنْ يَكُونَ ما يُصْلَحُ بهِ الفَاسِدُ قَدْ

وَرَدَ في (٥) أحاديثَ أُخَرَ، فإنَّ ذاكِرَهُ آمِنٌ مِنْ أنْ يَكُونَ مُتَقَوِّلاً عَلَى رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ما لَمْ يَقُلْ (٦)، واللهُ أعلمُ.

العاشِرُ: إذا كانَ الإصْلاحُ بزِيادَةِ شيءٍ قَدْ سَقَطَ فإنْ لَمْ يَكُنْ في ذَلِكَ مُغَايرةٌ في المعنى فالأمْرُ فيهِ عَلَى ما سَبَقَ، وذلكَ كَنحوِ ما رُوِيَ عَنْ مالكٍ - رضي الله عنه - أنهُ قيلَ لهُ: ((أرأيْتَ حديثَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُزَادُ فيهِ الواوُ والألِفُ، والمعنى واحدٌ؟) فقالَ: ((أرجو أنْ يَكُونَ خَفِيْفاً)) (٧).


(١) في (ع) والتقييد: ((عِنْدَ الرواية والسماع و ... )).
(٢) نسبة إلى وَقَّشَ - بالفتح وتشديد القاف - مدينة بالأندلس. انظر: السير ١٩/ ١٣٥، ومراصد الاطلاع ٣/ ١٤٤٢.
(٣) في (م): ((والطريق الأول أسلم)).
(٤) في (م): ((من)).
(٥) في (م): ((من)).
(٦) الإلماع: ١٨٥ - ١٨٧.
(٧) أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ١/ ٨٠ - ٨١ بإسْناده إلى الإمام مالك، والخطيب في الكفاية: (٣٦٨ت، ٢٥٠هـ‍)، وفي كفاية الخطيب: (٢٨٨ - ٢٨٩ت، ١٨٨ - ١٨٩هـ‍) روايات أُخْرَى عن مالك، ليس فيها موضع الشاهد، والسائل هو - أشهب - كما في جامع بيان العلم، والكفاية.

<<  <   >  >>