للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يكره من الابتداءات قول أبي تمام:

تجرّع أسى قد أقفر الجرع الفرد «١»

وإنما ألقى أبا تمام في مثل هذا المكروه تتبّعه للتجنيس بين تجرع والجرع، وهذا دأب الرجل؛ فإنه كثيرا ما يقع في مثل ذلك.

وكذلك استقبح قول البحتري:

فؤاد ملاه الحزن حتّى تصدّعا «٢»

فإن ابتداء المديح بمثل هذا طيرة ينبو عنها السمع، وهو أجدر بأن يكون ابتداء مرئية لا مديح، وما أعلم كيف يخفى على مثل البحتري وهو من مفلقي الشعراء.

وحكي أنه لما فرغ المعتصم من بناء قصره بالميدان جلس فيه وجمع أهله وأصحابه، وأمرهم أن يخرجوا في زينتهم؛ فما رأى الناس أحسن من ذلك اليوم؛ فاستأذن إسحق بن إبراهيم الموصلي في الإنشاد، فأذن له، فأنشد شعرا حسنا أجاد فيه، إلا أنه استفتحه بذكر الديار وعفائها، فقال:

يا دار غيّرك البلى ومحاك ... يا ليت شعري ما الّذي أبلاك

فتطير المعتصم بذلك، وتغامز الناس على إسحق بن إبراهيم كيف ذهب عليه مثل ذلك مع معرفته وعلمه وطول خدمته للملوك، ثم أقاموا يومهم وانصرفوا، فما عاد منهم اثنان إلى ذلك المجلس، وخرج المعتصم إلى سرّ من رأى، وخرب القصر.

فإذا أراد الشاعر أن يذكر دارا في مديحه فليذكر كما ذكر أشجع السّلميّ حيث قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>