وهو يريد: إلى ملك أبوه ما أمه من محارب، وهذا أقبح من الأول، وأكثر اختلالا.
وكذلك جاء قوله أيضا:
وليست خراسان الّتي كان خالد ... بها إذ كان سيفا أميرها
وحديث هذا البيت ظريف، وذاك أنه، فيما ذكر، يمدح خالد بن عبد الله القسريّ، ويهجو أسدا، وكان أسد وليها بعد خالد، وكأنه قال: وليست خراسان بالبلدة التي كان خالد بها سيفا إذ كان أسد أميرها، وعلى هذا التقدير ففي «كان» الثانية ضمير الشأن والحديث، والجملة بعدها خبر عنها، وقد قدم بعض ما إذ مضافة إليه وهو «أسد» عليها، وفي تقديم المضاف إليه أو شيء منه على المضاف من القبح ما لا خفاء به، وأيضا فإن أسدا أحد جزأي الجملة المفسرة للضمير، والضمير لا يكون تفسيره إلا من بعده، ولو تقدم تفسيره قبله لما احتاج إلى تفسير، ولما سماه الكوفيون الضمير المجهول.
وعلى هذا النحو ورد قول الفرزدق أيضا:
وما مثله في النّاس إلّا مملّكا ... أبو أمّه حيّ أبوه يقاربه
ومعنى هذا البيت: وما مثله في الناس حيّ يقاربه إلا ممّلكا أبو أمه أبوه، وعلى هذا المثال المصوغ في الشعر قد جاء مشوّها كما تراه.
وقد استعمل الفرزدق من التعاظل كثيرا، كأنه كان يقصد ذلك ويتعمده؛ لأن مثله لا يجيء ألا متكلّفا مقصودا، وإلا فإذا ترك مؤلف الكلام نفسه تجري على سجيتها وطبعها في الاسترسال لم يعرض له شيء من هذا التعقيد، ألا ترى أن المقصود من الكلام معدوم في هذا الضرب المشار إليه؛ إذ المقصود من الكلام إنما هو الإيضاح والإبانة وإفهام المعنى، فإذا ذهب هذا الوصف المقصود من الكلام ذهب المراد به، ولا فرق عند ذلك بينه وبين غيره من اللغات كالفارسية والرومية وغيرهما.