وأخرج البغوي في معجمه عن يزيد الرقاشي قال: كنا إذا أكثرنا على أنس بن مالك أتانا بمجال له فألقاها إلينا، وقال: هذه أحاديث سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتبتها وعرضتها. أورده الحافظ السيوطي في التدريب انظر ص ١٤٣ منه.
وقال محمد بن هارون الروياني في مسنده: حدثنا محمد بن زياد ثنا فضيل بن عياض عن عائد عن عبيد الله بن علي بن أبي رافع قال: كان ابن عباس يأتي ابن رافع فيقول: ما صنع النبي صلى الله عليه وسلم يوم كذا؟ ومع ابن عباس من يكتب ما يقول.
وأخرج ابن سعد في الطبقات عن سلمى قالت: رأيت ابن عباس معه ألواح يكتب عليها عن أبي رافع شيئا من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الإمام أبو محمد ابن قتيبة في كتابه مشكل الحديث، بعد أن ذكر أحاديث النهي عن كتابة شيء دون القرآن، وقوله عليه السلام: قيّدوا العلم بالكتابة فقال: إن في هذا معنيين أحدهما: أن يكون من منسوخ السنة بالسنة؛ كأنه نهى في أول الأمر أن يكتب قوله، ثم رأى بعد لما علم أن السنن تكثر وتفوت الحفظ أن تكتب وتقيد، والمعنى الآخر أن يكون خصّ بهذا عبد الله بن عمرو بن العاص، لأنه كان قارئا للكتب المتقدمة، ويكتب بالسريانية والعربية، وكان غيره من الصحابة أميين لا يكتب منهم إلا الواحد والإثنان. وإذا كتب لم يتقن ولم يصب التهجي، فلما خشي الغلط فيما يكتبون نهاهم، ولما أمن على عبد الله بن عمرو ذلك أذن له. ثم أسند مرفوعا أن من أشراط الساعة أن يفيض المال، ويظهر القلم ويفشو التجار قال عمر: وإن كنا لنلتمس في الحواء العظيم (البيوت المجتمعة من الناس على ماء) الكاتب، ويبيع الرجل البيع فيقول: حتى استأمر تاجر بني فلان اهـ «١» .
وفي الأكليل على قوله تعالى: عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي [طه: ٥٢] أخرج ابن أبي حاتم عن أبي المليح قال: الناس يعيبون علينا الكتابة، وقد قال تعالى: عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى قال البلقيني: هذا أحسن استنباط لكتابة الحديث والعلم اهـ.
وقال ابن الجوزي في تلبيس إبليس: لما علم الشارع أن حفظ القرآن والسنة يصعب أمر بكتابة المصحف، وكتابة الحديث، فأما القرآن فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزلت عليه الآية دعا بالكاتب فأثبتها، وكانوا يكتبونها في العسب، والحجارة وعظم الكتف، ثم جمع القرآن بعده في المصحف أبو بكر صونا عليه ثم نسخ من ذلك عثمان وبقية الصحابة، وكل ذلك لحفظ القرآن لئلا يشذ منه شيء. وأما السنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قصر الناس في بداية الإسلام على القرآن، وقال: لا تكتبوا عني سوى القرآن، فلما كثرت الأحاديث ورأى قلة ضبطهم أذن لهم في الكتابة، ثم ذكر قول المصطفى صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة في رواية: لما شكا إليه قلة الحفظ: استعن على حفظك بيمينك يعني الكتابة. ثم ذكر حديث قيّدوا العلم بالكتابة انظر بقيته فيه.
(١) انظر كتاب تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص ٢٨٦ المطبوع ١٩٦٦ بمصر.