للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَوَعَى بُدَيْلٌ مَقَالَتَهُ وَرَكِبَ، ثُمّ رَكِبُوا إلَى قريش، وكان فى الرّكب عمرو ابن سَالِمٍ، فَجَعَلَ يَقُولُ: وَاَللهِ لَا تُنْصَرُونَ عَلَى مَنْ يَعْرِضُ هَذَا أَبَدًا، حَتّى هَبَطُوا عَلَى كُفّارِ قُرَيْشٍ. فَقَالَ نَاسٌ مِنْهُمْ: هَذَا بُدَيْلٌ وَأَصْحَابُهُ، إنّمَا جَاءُوا يُرِيدُونَ أَنْ يَسْتَخْبِرُوكُمْ، فَلَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ حَرْفٍ وَاحِدٍ! فَلَمّا رَأَى بُدَيْلٌ وَأَصْحَابُهُ أَنّهُمْ لَا يَسْتَخْبِرُونَهُمْ قَالَ بُدَيْلٌ: إنّا جِئْنَا مِنْ عِنْدِ مُحَمّدٍ، أَتُحِبّونَ أَنْ نُخْبِرَكُمْ؟ قَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَالْحَكَمُ بْنُ ابى الْعَاصِ: لَا وَاَللهِ، مَا لَنَا حَاجَةٌ بِأَنْ تُخْبِرَنَا عَنْهُ! وَلَكِنْ أَخْبِرُوهُ عَنّا أَنّهُ لَا يَدْخُلُهَا عَلَيْنَا عَامَهُ هَذَا أَبَدًا حَتّى لَا يَبْقَى مِنّا رَجُلٌ. فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ: وَاَللهِ مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ رَأْيًا أَعْجَبَ! وَمَا تَكْرَهُونَ أَنْ تَسْمَعُوا مِنْ بُدَيْلٍ وَأَصْحَابِهِ؟ فَإِنْ أَعْجَبَكُمْ أَمْرٌ قَبِلْتُمُوهُ، وَإِنْ كَرِهْتُمْ شَيْئًا تَرَكْتُمُوهُ، لَا يُفْلِحُ قَوْمٌ فَعَلُوا هَذَا أَبَدًا! وَقَالَ رجال من ذوى رأيهم وأشرافهم، صفوان ابن أُمَيّةَ وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ: أَخْبِرُونَا بِاَلّذِي رَأَيْتُمْ وَاَلّذِي سَمِعْتُمْ. فَأَخْبَرُوهُمْ بِمَقَالَةِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الّتِي قَالَ، وَمَا عَرَضَ عَلَى قُرَيْشٍ مِنْ الْمُدّةِ، فَقَالَ عُرْوَةُ: يَا مَعْشَرَ قريش تَتّهِمُونَنِي؟ أَلَسْتُمْ الْوَالِدَ وَأَنَا الْوَلَدُ؟ وَقَدْ اسْتَنْفَرْت أَهْلَ عُكَاظٍ لِنَصْرِكُمْ، فَلَمّا بَلّحُوا [ (١) ] عَلَيّ نَفَرْت إلَيْكُمْ بِنَفْسِي وَوَلَدِي وَمَنْ أَطَاعَنِي! فَقَالُوا: قَدْ فَعَلْت! فَقَالَ: وَإِنّي نَاصِحٌ لَكُمْ شَفِيقٌ عَلَيْكُمْ، لَا أَدّخِرُ عَنْكُمْ نُصْحًا، وَإِنّ بُدَيْلًا قَدْ جَاءَكُمْ بِخُطّةِ رُشْدٍ لَا يَرُدّهَا أَحَدٌ أَبَدًا إلّا أَخَذَ شَرّا مِنْهَا، فَاقْبَلُوهَا مِنْهُ وَابْعَثُونِي حَتّى آتِيَكُمْ بِمِصْدَاقِهَا مِنْ عِنْدِهِ، وَأَنْظُرَ إلَى مَنْ مَعَهُ وَأَكُونَ لَكُمْ عَيْنًا آتِيكُمْ بِخَبَرِهِ. فَبَعَثَتْهُ قُرَيْشٌ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقْبَلَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ حَتّى أناخ راحلته


[ (١) ] فى الأصل: «تلحوا» ، وما أثبتناه من الزرقانى. وبلحوا: أى امتنعوا من الإجابة.
(شرح الزرقانى على المواهب اللدنية، ج ٢، ص ٢٢٧) .