رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ما كان اقترحه علي (الصاحب زين الدين يعقوب بن الزبير) ، ثم اتفق بعد ذلك أن صاحبني فالج أبطل نصفي، ففكرت في عمل قصيدتي هذه فعملتها، واستشفعت بها إلى الله تعالى في أن يعافيني، وكررت إنشادها، ودعوت، وتوسلت، ونمت، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فمسح وجهي بيده المباركة وألقى عليّ بردة. فانتبهت ووجدت فيّ نهضة فقمت وخرجت من بيتي، ولم أكن أعلمت بذلك أحدا فلقيني بعض الفقراء، فقال لي: أريد أن تعطيني القصيدة التي مدحت بها رسول الله فقلت: أيّها؟ فقال التي أنشأتها في مرضك، وذكر أولها وقال: والله لقد سمعتها البارحة وهي تنشد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ورأيت رسول الله يتمايل وأعجبته، وألقى على من أنشدها بردة، فأعطيته إياها، وذكر الفقير ذلك وشاع المنام» .
* وفي هذه القطعة دلالة على عقلية البوصيري: فهو رجل فيه طيبة وسذاجة كأكثر الصوفية، فليس من المعقول أن يبرأ مريض من مرضه لاية يتلوها أو قصيدة ينشدها كما برىء البوصيري بقصيدته، ولو مرض مفتي الديار المصرية- لا سمح الله- ما استغنى بالبردة عن الطبيب.
ولعل حكاية البوصيري هذه هي سبب ما سار بجانب البردة من الخرافات، فقد ذكر بعض الشراح، لكل بيت من أبياتها فائدة: فبعضها أمان من الفقر، وبعضها أمان من الطاعون! وهذا النوع من الغافلة قديم «١» فقد كان الزمخشري يذكر شيئا من مثل هذا عن سور القرآن، ونلاحظ كذلك «صلى الله عليه وسلّم» خمس مرات في هذه الفقرة القصيرة وتكرار الصلاة على النبي كلما ذكر اسمه من وساوس المتأخرين.
وقد زاد البوصيري على ذلك في القصيدة «المضرية» فهو يدعو الله أن يصلي على النبيّ وشيعته وصحبه عدد الحصى والثرى والمدر، وعدد نجم السماء،