فإن البكاء عند القراءة صفة العارفين وشعار عباد الله الصالحين، قال الله تعالى:{وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا}[الإسراء: ١٠٩]
ــ
وأخبار وآثار للسلف كثيرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اقرأوا والقرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا قال الغزالي البكاء مستحب مع القراءة وعندها قال وطريقه في تحصيله أن يحضر قلبه الحزن بأن يتأمل ما فيه من الشديد والوعيد الشديد والوثائق والعهود ثم يتأمل تقصيره في ذلك فإن لم يحضر حزن وبكاء كما يحضر الخواص فليبك علي فقد ذلك فإنه من أعظم المصائب اهـ. ملخصًا. قوله:(فإن البكاءَ عِنْدَ القِرَاءَةِ صِفَةُ العارِفينَ الخ) روى البخاري عن عبد الله يعني ابن مسعود قال قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اقرأ عليّ قلت اقرأ عليك وعليك أنزل قال إني أحب أن أسمعه من غيري فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا}[النساء: ٤١] قال حسبك أو قال أمسك فإذا عيناه تذرفان وكذا أخرجه مسلم وغيره قال العلماء بكاؤه - صلى الله عليه وسلم - إنما كان لعظيم ما تضمنته الآية من هول المطلع وشدة الأمر إذ يؤتى بالأنبياء شهداء على أممهم بالتصديق والتكذيب وبه - صلى الله عليه وسلم - شهيدًا قال في التذكار قال القاضي ابن العربي المالكي قد رأيت من يعيب البكاء ويقول أنه صفة الضعفاء والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد مدحه فقال عينان لم تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين سهرت في سبيل الله وكان الصديق أسيفا إذا قرأ بكى شوقًا وخوفًا وكان ابن عمر يكثر من البكاء حتى رمصت عيناه قال في التذكار وقد مدح الله تعالى البكائين في كتابه فقال مخبرًا عن الأنبياء ومن يضاف إليهم خروا سجدا وبكيا وآيات أخر قال فكيف يقال أنه من صفة الضعفاء وفي التنزيل وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع والنبي - صلى الله عليه وسلم - بكى رهبة لذلك اليوم وهؤلاء القوم بكوا شوقا
إلى الله تعالى حين سمعوا كلامه وقد مدح الله تعالى قومًا بقوله:{وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ}[الإسراء: ١٠٩] وذم آخرين بقوله: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا}[الفرقان: ٧٣] وهم أقسام منهم الكافرون ومنهم الغافلون ومنهم الذين ورد ذكرهم في الأثر ينثرونه نثر الدقل يتعجلونه ولا يتأجلونه يمرون عليه