الثقيل الذي سيبلقى عليه. فإن قيام الليل مع شدّة وطأته لا يكفى وحده لمواجهة الرسالة المكلّف بحملها، وتبليغها إلى الناس، وإنما يقتضيه هذا أن يقوم النهار كلّه، يطوف على الناس، ويلقاهم بها فى كل مكان، ويسبح بها إلى كل أفق كما تسبح الطير فى السماء.. وأنه إذا كان النبىّ قد جعل الليل لمناجاة ربه، فليجعل النهار لمواجهة الناس.. إنه بمناجاة ربه بالليل يتزود بالزاد الطيب الذي يعينه على رحلة النهار مع الناس ودعوتهم إلى الله، فإذا أقبل الليل عاد إلى تلك المناجاة يستروح أرواح الطمأنينة والرضا، ويتخفف من أعباء يومه الثقيل، وما لقى فيه من خلاف عليه، واستخفاف به من أهل السفاهة والجهالة، ليستقبل يوما آخر.. وهكذا..
وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا»(٥٢: الفرقان) ..
فهذا السبح الطويل الذي يسبحه النبىّ الكريم فى النهار- هو جهاده للكافرين بآيات الله التي يتلوها عليهم، ويحاجّهم بها، ويتلقى ما يرمونه من بهت وتكذيب..
يروى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وقد نصح له بعض أصحابه بأن يرفق بنفسه، وأن يأخذ لها حظها من الراحة والنوم بالليل أو النهار، فأجابه عمر بقوله:«إنى إن نمت الليل ضيّعت حق الله، وإن نمت النهار ضيعت حق الرعية.. فكيف بالنوم مع هذا أو ذاك؟» ..
فإذا كان هذا شأن عمر، فرع شجرة الإسلام الطيبة المباركة، فكيف بالشجرة ذاتها؟ ..
وكيف برسول الله، وبالأمر العظيم الذي ندبته السماء له، وأناطت به حمله؟