للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجماعةَ يُصلِّي تلك الصلاةَ في وقتِها، يُندَبُ إلى إعادةِ تلك الصلاةِ معهم إذا كانت ظُهرًا أو عِشاءً بإجماع، وفي غيرِهما اختلافٌ، ولو وجَدهم يَجمَعون تلك الصلاةَ بعدَ خروج الوقتِ لم يَأمرْه أحدٌ بالدخولِ معهم، وفي هذا دليلٌ على أن استِدراكَ فضلِ السُّنة في مثل هذا إنما ينبغي أن يكونَ في الوقتِ لا في بعدِه.

وممّا استدلَّ به مَن لم يُبطِلْ صلاةَ مَن صلَّى وفي ثوبِه نجاسةٌ، وجعَل غَسْلَ النجاسةِ بسُنّةٍ لا بفَرضٍ ما رواه حمّادُ بنُ سَلَمة، عن أبي نَعامةَ قيسِ بنِ عَبايَة، عن أبي نضْرة، عن أبي سعيدٍ الخدريِّ، أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - دخَل الصلاةَ ونعلاه في رجلَيْه، ثم خلَعهما، فخلَع الناسُ نِعالَهم، فلما انصرَف قال لهم: "لِمَ خلَعْتُم نِعالَكم؟ ". قالوا: لمّا رأيناك خلَعتَ خلَعْنا. فقال: "إنما خلَعتُهما لأنَّ جبريلَ أخبرني أن فيهما قَذَرًا" (١). ففي هذا الحديثِ ما يدلُّ على أن غَسلَ القَذَرِ ليس بواجبٍ فرضًا، ولا كونُه في الثوبِ يُفسدُ الصلاة؛ لأنه لم يذكُرْ إعادة.

وقال الشافعيُّ (٢): قليلُ الدَّم والبولِ والعَذِرَة وكثيرُ ذلك كلُّه سواء، تُعادُ منه الصلاةُ أبدًا، إلا ما كان نحوَ دم البراغيثِ وما يَتعافاه الناسُ، فإنَّه لا يُفسِدُ الثوبَ ولا تُعادُ منه الصلاة. ونحوَ قولِ الشافعيِّ في هذا كلِّه قال أبو ثور، وأحمدُ بنُ حنبل (٣)، إلا أنهما لا يُوجبانِ غَسْلَ الدم حتى يتفاحَشَ. وهو قولُ الطبريِّ، إلا أنَّ الطبريَّ قال: إن كانتِ النجاسةُ قدرَ الدِّرهم أعادَ الصلاةَ أبدًا. ولم يَحُدَّ أولئك شيئًا، وكلُّهم يرَى غَسْلَ النجاسةِ فرضًا.


(١) سيأتي بإسناد المصنِّف مع تخريجه بعد قليل.
(٢) في الأم ١/ ٧٢، وينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ١٧٦.
(٣) ينظر: مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود، ص ٦٢، ومسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية لإسحاق بن منصور الكوسج ٢/ ٢٣٦ (١٧٢٧)، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ١٣١ - ١٣٣، والمغني لابن قدامة ٢/ ٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>