للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فزيدَ في صَلاةِ الحَضِر، وأُقِرَّت صلاةُ السَّفرِ (١) - فردُّوهُ بأنْ قالوا: قد صَحَّ عنها أنَّها كانت تُتِمُّ في السَّفرِ، وهذا من فِعْلِها، يرُدُّ قولَها ذلك، وإن صَحَّ قولُها ذلك عنها، ولم يدخُلْهُ الوَهَمُ من جِهةِ النَّقلِ، فهُو على غيرِ ظاهِرِهِ، وفيه معنًى مُضْمرٌ باطِنٌ، وذلك -واللَّهُ أعلمُ- كأنَّها قالت: فأُقِرَّتْ صَلاةُ السَّفرِ لمن شاءَ، أو نحوُ هذا. قالوا: ولا يجُوزُ على عائشةَ أنَّ تُقِرَّ بأنَّ القصرَ فَرْضٌ في السَّفرِ، وتُخالِفَ الفرضَ، هذا ما لا يجُوزُ لمسلِم أن ينسُبَهُ إليها.

قالوا: وغيرُ جائزٍ تأويلُ من تأوَّلَ عليها: أنَّ إتمامَها كان من أجلِ أنَّها كانت أُمَّ المُؤمِنينَ، فكانت حيثُما نَزلَتْ نَزلَتْ (٢) على بنيها، فلم تَقصُرْ؛ لأنَّ ذلك كان منها كأنَّها كانت في بَيْتِها، وهذا لا يجُوزُ لأحَدٍ أن يَعْتقِدَهُ؛ لأنَّ النَّبيَّ عليه السَّلامُ به صارَتْ عائشةُ وسائرُ أزواجِهِ أُمَّهاتِ المُؤمِنين، وكانَ -صلى اللَّه عليه وسلم- للمُؤمِنين أبًا رؤُوفًا رحيمًا، وكان يَقْصُرُ في أسفارِهِ كلِّها، في غَزَواتِهِ وعُمَرِهِ (٣)، وحجَّتِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفي قِراءةِ أُبيِّ بن كَعْبٍ: "النَّبيُّ أوْلَى بالمُؤمِنين من أنفُسِهِم وأزواجُهُ أُمَّهاتُهُم وهُو أبٌ لهم" (٤).

فمِمّا يرُدُّ حديثَ عائشةَ: إتمامُها في أسْفارِها، ومِمّا يرُدُّهُ أيضًا حديثُ ابنِ عبّاسٍ وغيرِهِ: أنَّ الصَّلاةَ فُرِضَتْ في الحَضَرِ أربعًا، وفي السَّفرِ رَكْعتينِ، وما رُوي عنها مِمّا قدَّمنا ذِكرَهُ في هذا البابِ: أنَّ رسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أتمَّ في السَّفرِ وقصَرَ، وصامَ وأفطَرَ.


(١) سلف تخريجه في هذا الباب.
(٢) هذه الكلمة سقطت من م.
(٣) في ف ٣: "وعمرته"، وهو من حجّ مرةً واحدة، واعتمر أربع عُمَر، كما هو معلوم.
(٤) انظر: تفسير عبد الرزاق ٣/ ٣١ (٢٣١٦). وهي قراءة ابن مسعود أيضًا، وهي قراءة شاذة. انظر: البحر المحيط ٨/ ٤٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>