للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رأى اتِّباعَ إمامِهِ فيما أُبيحَ لهُ أولى من إتيانِ الأفْضَلِ في القَصْرِ؛ لأنَّ مُخالَفةَ الأئمّةِ لا تجُوزُ إلّا فيما لا يحِلُّ، وأمّا فيما أُبيحَ، فلا يجُوزُ فيه مُخالَفةُ الأئمّةِ إذا حَملهُم على ذلك الاجتِهادُ.

ولعلَّ عُثمانَ ذهَبَ إلى أنَّ اختيارَ رسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سَفرِهِ القَصْرَ، كان لأنَّهُ أيْسَرُ على أُمَّتِهِ، فاختارَهُ لذلك.

وقالت عائشةُ: ما خُيِّرَ رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بينَ أمْرَينِ، إلّا اختارَ أيَسْرَهُما، ما لم يَكُن إثمًا. . . الحديثَ (١).

وهذا لا حُجّةَ فيه؛ لأنَّ ما اختارَهُ رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لأُمَّتِهِ وسنَّهُ، وواظَبَ عليه، كان أفضلَ مِمّا سِواهُ.

ومِثلُ حديثِ ابنِ مسعُودٍ هذا، حديثُ سلْمانَ؛ ذَكَر عبدُ الرَّزّاقِ (٢)، عنِ اسرائيلَ، عن أبي إسحاقَ، عن أبي ليلى الكِنْديِّ، عن سلْمانَ، أَنَّهُ كان مع قوم في السَّفرِ، فحَضَرتِ الصَّلاةُ، فقالوا لهُ: صلِّ بنا. فقال: إنّا لا نؤُمُّكُّم، ولا ننكِحُ نِساءَكُم، فأبَى، فتَقدَّمَ رجُلٌ من القوم، فصَلَّى بهم أربَعَ رَكَعاتٍ، فلمّا سلَّمَ، قال سلمانُ: ما لنا وللمُربَّعةِ؟ وإنَّما كان يَكْفينا نِصفُ المُربَّعةِ، ونحنُ إلى الرُّخْصةِ أحْوَجُ.

ألا تَرى أنَّ سلمانَ لم يُعِدِ الصَّلاةَ، بل تمادَى مع إمامِهِ فصَلَّى أربعًا، وإن كان لم يحمَدْ ذلك لهُ؟ فهذا يدُلُّ على أنَّ القصرَ عندَ سلْمانَ رُخصةٌ وسُنّةٌ.

وقد تقدَّمَ عنِ ابنِ عبّاسٍ، وابنِ عُمرَ: أنَّ ذلك سُنّةٌ.


(١) أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٤٨٦ (٢٦٢٧).
(٢) في المصنَّف (٤٢٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>