للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحمدَ بنَ خالدٍ يَعجَبُ من مالكٍ في هذا الباب، إذ أخذَ بحديثِ ابنِ مسعودٍ ولم يَرْوِه، وتَرك الأحاديثَ التي رَوَى (١).

قال أبو عُمر: فهذا اختصارُ ما بلَغَنا من الآثارِ واختلافِها في هذا الباب، عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابِه، وتهذيبُ ذلك.

وأجمعَ العلماءُ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفَع من عرفةَ بالناسِ بعدَما غَربَتِ الشمسُ يومَ عرفةَ، فأفاض إلى المُزْدَلفة، وأنَّه عليه السَّلامُ أخَّر حينئذٍ صلاةَ المغربِ فلم يُصَلِّها حتى أتى المُزْدَلفة، فصَلَّى بها بالناسِ المغربَ والعِشاءَ جميعًا بعدَما غاب الشَّفقُ ودَخلَ وقتُ العِشاءِ الآخِرة، وأجْمَعوا أنَّ ذلك سُنّةُ الحاجِّ في ذلك الموضع (٢). وقد قدَّمْنا ذِكْرَ ما اختُلِف فيه عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من كيفيّةِ الأذانِ والإقامةِ في حين جمعِه للصلاتَيْن بالمُزْدَلفة.

وأمّا اختلافُ الفقهاءِ في ذلك؛ فإنَّ مالكًا ذهب إلى أنَّ كلَّ صلاةٍ منهما يُؤذَّنُ لها ويقامُ، واحدةً بإثْرِ أخرى، وعلى ذلك أصحابُه (٣).

وذهب الثَّوريُّ (٤) إلى أنَّهما جميعًا تُصَلَّيانِ بإقامةٍ واحدةٍ، ولا يُفصَلُ بينَهما إلّا بالتَّسليم.

وذَهَب الشافعيُّ (٥) إلى أنَّ كلَّ واحدةٍ منهما تُصلَّى بإقامةٍ إقامةٍ، ولا يُؤذَّنُ


(١) قال المصنّف في الاستذكار ٤/ ٢٨٧: وأعجب منه ما عجب منه أحمد أنَّ أبا حنيفة وأصحابه لا يعدلون بابن مسعود واحدًا، وخالفوه في هذه المسألة وأخذوا بحديث جابر وهو حديث مديني لَمْ يرووه، فقالوا به وتركوا أحاديث أهل الكوفة في ذلك.
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٢/ ٤٢١، وشرح السنة للبغوي ٧/ ١٥٥.
(٣) المدونة ١/ ٤٢٩.
(٤) مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ٣٢٦، وسبق النقل من الترمذي والمعالم في هذا الشأن.
(٥) هذا رأي الشافعي في الجديد، وقد كان رأيه في القديم موافقًا لرأي أبي حنيفة، انظر ذكر رأي الشافعي في: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ٣٢٦، والمجموع للنووي ٨/ ١٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>