للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُؤْمن. إلّا أنَّ الصُّفْرِيّةَ تجْعَلُه كالمشرك، وتَجْعَلُ دارَ المذنبِ المُخالِفِ لهم دارَ حرب. وأمّا الأباضِيّةُ فتَجْعَلُه كافِرَ نِعْمة، ولكنَّهم يُخَلِّدُونَه في النارِ إن لَمْ يَتُبْ من الكبيرة، ولا يَسْتَحِلُّونَ مالَه كما يَسْتَحِلُّه (١) الصُّفْرِيّةُ. ولهم ظواهرُ آياتٍ يُبَرْهِنُون (٢) بها قد فَسَّرَتْها السنةُ، وقد مَضَى على ما فَسَّرَتِ السنةُ في ذلك علماءُ الأُمَّة.

رَوَينا عن جابرِ بنِ عبدِ الله صاحبِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّه قيل له: أكنتُم تَعُدُّونَ شيئًا من الذنوبِ كفرًا، أو شِرْكًا، أو نِفاقًا؟ قال: معاذَ الله، ولكنّا نقولُ: مؤمنين مُذْنِبين (٣). ولولا أنَّ كتابنا هذا كتابُ شرح معاني السننِ الثابتةِ في "الموطأ"، لَجَرَّدْنا الرَّدَّ عليهم هنا، وقد أكثرَ العلماءُ من الرَّدِّ عليهم وكَسْرِ أقوالهم، وكذلك أكثرَ أهلُ الحديثِ من روايةِ الآثارِ في الإيمان، ومَدارُ الباب كلِّه عندَ جميعِهم على ما ذكَرْتُ لك، وما تَوفيقي إلّا باللّه، عليه تَوَكَّلْتُ وإليه أُنِيبُ.

وأمّا الآياتُ التي نزَع بها العلماءُ في أنَّ الإيمانَ يَزيدُ وَينْقُصُ، فمنها: قولُ الله عزَّ وجلَّ: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [التوبة: ١٢٤]، وقولُه: {فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: ١٧٣]، وقولُه: {زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: ١٧]، {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: ١٣]، ومثلُ هذا كثيرٌ. وعلى أنَّ الإيمانَ يَزيدُ ويَنقُصُ؛ يَزيدُ بالطاعة، ويَنقُصُ بالمعصية، جماعةُ أهل الآثار، والفقهاءُ أهلُ الفَتوى بالأمصار.


(١) في الأصل: "يستحلون"، خطأ.
(٢) في الأصل: "ينزعون".
(٣) أخرجه الطَّبراني في مسند الشاميين (٢١١٠)، وأبو نُعيم في الحلية ٥/ ١٧٦، كلاهما من طريق يحيى أبي الحجاج عن عيسى بن سنان، عن رجاء بن حيوة، عن جابر، به، كما أخرجه أبو عُبيد في الإيمان (٣٠) من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر بلفظ آخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>