للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد شَذَّ قومٌ، فجعلوا المائِعَ كلَّه كالماء (١)، ولا وجْهَ للاشتِغالِ بشُذُوذِهم في ذلك، ولا هم عند أهلِ العِلْم ممن يُعَدُّ خلافًا، وسلَكَ داودُ بنُ عليٍّ سبيلَهم في ذلك، إلا في السَّمْنِ الجامدِ والذَّائِبِ (٢)، فإنه قال فيه بظاهِرِ حديثِ هذا البابِ، وخالفَ معنَاه في العَسَل، والخَلِّ، والمُرِّيّ، والزَّيت، وسائرِ المائِعَاتِ، فجعلَها كالماء في لحُوقِ النجاسَةِ إيَّاها بما ظَهَر منها فيها، فشَذَّ أيضًا، ويلزَمُه ألا يتَعَدَّى الفأرَةَ، كما لم يتعَدَّ السَّمْنَ وأظنه قولَه وقولَ بعضِ أصحابِه، ويلزَمُهم أيضًا ألا يَعْتَبروا إلقاءها في السَّمْنِ حتى تكونَ هي تقَعُ بنفسِها، وكفَى بقولٍ يئُولُ إلى هذا قَوْدُ أصلِه، قُبْحًا وفسَادًا.

وأمَّا سائِرُ العلماء، وجماعَةُ أئمةِ الأمصارِ في الفَتْوَى، فالفَأرَةُ، والوَزَغةُ، والدجاجةُ، وما يُؤكَلُ وما لا يُؤكَلُ عندَهم سواءٌ، إذا مات في السمنِ أو الزيتِ، أو وقَعَ فيه وهو ميتٌ، إذا كان له دَمٌ، ولم يكن كالبعُوضِ الذي لا دَمَ له، والدُّودِ، وشِبْهِ ذلك.

وأجمعَوا أن المائعاتِ كلَّها من الأطعِمَةِ والأشربَةِ، ما خَلا الماء، سواءٌ إذا وقَعَت فيها الميتةُ، نجَّسَتِ المائِعَ كلَّه، ولم يجُزْ أكْلُه (٣) ولا شربُه عندَ الجميع (٤)، إلا فِرْقَةً شذَّتْ، على ما ذكرنا، منهم داود (٥).


(١) نقل الماوردي في الحاوي ١٥/ ١٥٧ أنَّ السَّمْن إن كان مائعًا نجس جميعه، قليلًا كان أو كثيرًا، سواء تغيَّر بالنجاسة أو لم يتغير ... وقال: وحُكي عن أبي ثور أنه كالماء إذا بلغ قُلَّتين لم ينجس حتى يتغير.
(٢) قال الماوردي في الحاوي ١٥/ ١٥٨: وقال داود؛ يحرُم أكل السَّمْن وحده إذا نجس دون غيره، تمسُّكًا بظاهر النَّص في السَّمْن، فجعل الحكم مقصورًا عليه.
(٣) قوله: "ولم يجز أكله" لم يرد في ج.
(٤) انظر: شرح صحيح البخاري لابن بطّال ٥/ ٤٥١ حيث قال: وأمَّا السمن المائع والزيت والخل والمري والعسل وسائر المائعات تقع فيها الميتة فلا خلاف بين أئمة الفتوى أنَّه لا يؤكل منها شيءٌ.
(٥) ذكر ابن بطّال هذا القول عن ابن القصاد ونسبه لأهل الظاهر (شرح صحيح البخاري ٥/ ٤٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>