للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبلَ أنْ يَرْمِيَ، وأشْبَاهِ هذا، فأكْثَروا في التَّقْدِيم والتَّأخِيرِ، فما سأله أحَدٌ يومَئذٍ عن شيءٍ من هذا النَّحْوِ إلَّا قال: "لا حَرَجَ، لا حَرَجَ" (١).

وقال أبو ثابتٍ، عن ابنِ القاسِمِ: قال مالكٌ: إن ذَبَح المحرمُ ذَبِيحِتَه قبلَ الفجرِ أعاد ذَبِيحَتَه (٢).

قال أبو عُمر: قولُه هذا مَعْناه عندِي على أصْلِه أنَّ الذَّبْحَ بالليلِ لا يُجْزِئُ في الهدي والضَّحايَا، ولا وَجْهَ له عندِي غيرُ ذلك على مَذْهَبِه، ألا ترَى إلى ما قَدَّمْنا من قولِه أنَّ مَن رَمَى قبلَ الفجرِ وإن كان لا يُجْزِئُه رَمْيُه أنَّ النَّحْرَ قد حَلَّ له، وقولِه أنَّ مَن قَدَّم نحرَه قبلَ رَمْيِه لا شيءَ عليه.

قال إسماعيلُ: ولا يَضُرُّه ذلك ولا يَنْتَقِصُ من حَجِّه شيئًا؛ لأنَّ هَدْيَه قد بَلَغ مَحِلَّه، فإذا لم يُفْسِدْ عليه ما قَدَّمَه من نحرِه قبلَ رَمْيِه شيئًا من حَجِّه، ولا أوْجَب عليه شيئًا، فلا وَجْهَ لإعادَةِ ما نَحَره من هَدْيِه إلَّا من أجْلِ أنَّه ذبَحَه بالليلِ، وذلك لا يُجْزِئُه عندَه، لقولِ الله عزَّ وجلَّ: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: ٢٨]. فذكَرَ الأيامَ دونَ الليالي، وعندَ غيرِه الليالي تَبَعٌ للأيام، واللهُ أعلمُ.

قال أبو عُمر: اخْتَلف العلماءُ فيمَن قَدَّم نُسُكًا قبلَ نُسُكٍ أو أخَّرَه مِمَّا يصْنَعُه الحاجُّ يومَ النحرِ خاصَّةً؛ مثلَ تَقْدِيمِ النحرِ قبلَ الرَّمْي، أو الحَلْقِ قبلَ النحرِ أو قبلَ الرمي.

فأمَّا اخْتِلافُهم فيمَن حَلَقَ قبلَ أن يَرْمِيَ؛ فإنَّ مالكًا قال ما تَقَدَّم ذكْرُه عنه، وعليه أصحابُه في إيجابِ الفديةِ في ذلك، قال: ومَن ذَبَح قبلَ أن يَرْمِيَ، أو


(١) إسناده صحيح. هشام: هو ابن حسان القُرْدُوسي، وعطاء: هو ابن أبي رباح.
وأخرجه أحمد ٤/ (٢٧٣١)، والدارقطني (٢٥٧١) من طريق روح بن عُبادة، عن هشام بن حسان، به.
(٢) وكذلك قول سحنون عن ابن القاسم في المدونة ١/ ٤٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>