للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشُّفْعَةِ حسنةٌ. قال: وقال لي يحيى بنُ معين: روايةُ مالكٍ أحبُّ إليَّ وأصحُّ في نفسي مرسَلًا عن سعيدٍ وأبي سلمةَ (١).

قال أبو عُمر: كان ابنُ شهابٍ رحمه الله أكثرَ الناس بحثًا على هذا الشَّأن، فكان رُبَّما اجتَمَع له في الحديث جماعة، فحدَّث به مرّةً عنهم، ومرّةً عن أحدِهم، ومرّةً عن بعضِهم، على قدرِ نشاطِه في حين حديثِه، وربما أدخَل حديثَ بعضِهم في حديثِ بعض، كما صنَع في حديث الإفكِ (٢) وغيرِه، وربَّما لحِقه الكسلُ فلم يُسنِدْه، وربَّما انشرَح فوصَل وأسنَدَ، على حسَبِ ما تأتي به المذاكرةُ؛ فلهذا اختَلَف أصحابُه عليه اختلافًا كبيرًا في أحاديثه، ويُبيِّنُ لكَ ما قُلنا روايتُه لحديث ذي اليَدَيْن (٣)؛ رواه عنه جماعةٌ، فمرّةً يذكُرُ فيه واحدًا، ومرّةً اثنَيْن، ومرّةً جماعةً، ومرّةً جماعةً غيرَها، ومرّةً يصلُ، ومرّةً يَقطَعُ. وحديثُه هذا في الشُّفْعَةِ حديث صحيحٌ معروفٌ عندَ أهل العلم، مستعمَلٌ عندَ جميعِهم، لا أعلَمُ بينَهم في ذلك اختلافًا، كلُّ فرقةٍ من علماءِ الأُمَّة يُوجِبونَ الشُّفْعَةَ للشَّريكِ في المُشاع من الأصول الثابتة التي يُمكِنُ فيها صرفُ الحدود، وتطريقُ الطرق (٤). وأوجَبت طائفةٌ الشُّفْعةَ للجارِ المُلاصِق (٥)، لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديثِ أبي رافع: "الجارُ أحقُّ بصَقَبِه".


(١) وقال في تاريخه ١/ ٤٦٣: "وسألت يحيى بن معين عن حديث أبي سلمة عن جابر في الشفعة، قلت له: ما تقول فيه؟ قال: منكر".
(٢) حيث رواه عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عائشة، أخرجه البخاري (٢٦٣٧) و (٢٦٦١)، ومسلم (٢٧٧٠)، وقال الزهري: كلهم حدثني طائفة من حديثها، وبعضهم أوعى من بعض وأثبت له اقتصاصًا.
(٣) هو في الموطأ ١/ ١٤٨ (٢٤٩) و (٢٥٠).
(٤) وممن حكى الإجماع أيضًا ابن قدامة في المغني ٥/ ٢٢٩: وقال: لم يخالف فيه إلا الأصم، وليس بشيء لمخالفته الآثار الثابتة والإجماع المنعقد قبله.
(٥) هو قول الحنفية وابن شبرمة والثوري والحسن بن حيّ. انظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٤/ ٢٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>