للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: ١٠] إنّما هو استئنافُ كلام للدُّعاءِ لهم بدعائِهم لِمَن سبَقهم بالإيمانِ، لا لغير ذلك.

قالوا: وليس يخْلو فعلُ عُمرَ رضي اللهُ عنه في توقيفه الأرضَ مِن أحدِ وجهَين:

إمَّا أن تكونَ غنيمةً استطاب أنفُسَ أهلِها، فطابَتْ بذلك، فوقَفها، وكذلك روى جريرٌ: أنَّ عمرَ استطاب نفوسَ أهلِها (١)، وكذلك صنَع رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- في سَبْي هَوازِنَ؛ استطابَ أنفُسَ الغانِمين عمَّا كان بأيديهم، على ما نقَله ثِقاتُ العلماءِ، وإمَّا (٢) أن يكونَ ما وقَفه عمرُ فيئًا، فلم يحتَجْ في ذلك إلى مُراضاةِ أحدٍ.


(١) أخرجه الشافعيّ في الأمّ ٤/ ٢٩٧ - ٢٩٨، وأبو عُبيد القاسم بن سلّام في الأموال (١٥٤)، وابن زنجوية في الأموال (٢٣٤)، وابن المنذر في الأوسط ٦/ ٣٢ (٦٤٢٤)، وابن حزم في المحلّى ٥/ ٤١٢ (ط دار الفكر)، والبيهقي في الكبرى ٩/ ١٣٥ (١٨٨٣٩) من طرقٍ عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله، قال: كانت بَجِيلةُ رُبعَ الناس يوم القادسية، فقسمَ لهم عمر رُبُعَ السَّواد، فاستغلُّوا ثلاثَ أو أربع سنين -أنا شككت- ثم قدمتُ على عمرَ بنِ الخطاب رضي الله تعالى عنه، ومعي فلانة ابنة فلان، امرأة منهم لا يحضُرني ذكْرُ اسمِها، فقال عمرُ بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: "لولا أنّي قاسمٌ مسؤولٌ لتركتكُم على ما قُسِم لكم، ولكنّي أرى أن تردُّوا على الناسِ"؛ لفظُ الشافعيِّ والبيهقيّ، ووقع عند الآخرين "سنتين أو ثلاثًا" بدل: "ثلاث أو أربع سنين" وبزيادة: ففَعَل ذلك جريرٌ، فأجازه عمر بثمانين دينارًا. ورجال إسناده ثقات، إسماعيل بن أبي خالد: هو الأحمسيُّ. وقال ابن حزم: "وهذا أصحُّ ما رُويَ عن عمرَ في ذلك".
وقال الشافعيُّ بإثره: "وفي هذا الحديث دلالةٌ إذْ أعطى جريزا البَجَليَّ عِوَضًا من سَهِمِه، والمرأةَ من سَهْم أبيها: أنه استطابَ أنفُسَ الذين أوجفُوا عليه، فتركوا حقوقَهم منه، فجَعَله وقفًا للمسلمين".
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح ٦/ ٢٢٥ بعد أن ساق قول الشافعيِّ: "وتُعقِّب بأنه مخالف لتقليل عمرَ بقوله: "لولا آخِرُ المسلمين؛ لكن يُمكن أن يُقال: معناه لولا آخِرُ المسلمينَ ما استَطبْتُ أنفُسَ الغانمين".
(٢) من هنا إلى آخر الفقرة لم يرد في د ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>