للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عمر: إلى هذا نَزع من أصحابِنا مَن زعَم أنَّ مُرسلَ الإمام أولى من مُسْنَدِه؛ لأنَّ في هذا الخبر ما يَدُلُّ على أنَّ مراسيلَ إبراهيمَ النَّخَعيِّ أقوى من مَسانيدِه، وهو لَعَمري كذلك، إلّا أنَّ إبراهيمَ ليس بعيارٍ على غيرِه.

أخبرنا أبو إسحاقَ إبراهيمُ بنُ شاكر، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ يحيى بنِ عبدِ العزيز، قال: حدَّثنا أسلَمُ بنُ عبدِ العزيز، قال: حدَّثنا الرَّبيعُ بنُ سُلَيمان، قال: حدَّثنا الشافعيُّ، رحمه اللَّه، قال (١): حدَّثنا عمي محمدُ بنُ عليِّ بن شافع، قال: حدَّثنا هشامُ بنُ عروة، عن أبيه عروةَ بنِ الزُّبَير، قال: إنِّي لأسْمَعُ الحديثَ أسْتَحْسِنُه فما يَمْنَعُني من ذكرِه إلّا كراهيةُ أن يَسمعَه سامعٌ فيَقتَديَ به، وذلك أنّي أسمَعُه من الرجلِ لا أثِقُ به قد حدَّث به عمَّن أثِقُ به، أو أسمَعُه من الرجُل أثِقُ به قد حدَّث به عمَّنْ (٢) لا أثِقُ به (٣)، فلا أُحدِّثُ به.

قال أبو عُمر: هذا فعلُ أهلِ الورع والدِّين، كيف ترى في مرسَلِ عُروةَ بنِ الزُّبَير، وقد صحَّ عنه ما ذكرْنا؟ أليس قد كَفاك المؤْنةَ؟ ولو كان النَّاسُ على هذا المذهبِ كلُّهم، لم يُحتَجْ إلى شيءٍ ممّا نحنُ فيه.

وفي خبرِ عروةَ هذا دليلٌ على أنَّ ذلك الزَّمانَ كان يحدِّثُ فيه الثِّقةُ وغيرُ الثِّقة، فمَن بحَث وانتقد، كان إمامًا، ولهذا شرَطْنا في المُرسَلِ والمقطُوع إمامةَ (٤) مُرسِلِه، وانتِقادَه لمَن يأخذُ عنه، وموضِعَه من الدِّينِ والورع والفَهْم والعلْم.


(١) في الأم ٦/ ١١٢، ومن طريقه ابن عدي في الكامل ١/ ١٢٩ - ١٣٠، والبيهقي في مناقب الشافعي ٢/ ٣٢، والخطيب في الكفاية ١/ ١٣١ (٥١).
(٢) في ف ١: "من".
(٣) قوله: "قد حدث به عمن أثق به، أو أسمعه من الرجل أثق به قد حدث به عمن لا أثق به" سقط من ق.
(٤) في ف ١: "إقامة"، والمثبت من الأصل، ق.

<<  <  ج: ص:  >  >>