للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم بيّن الطلقة الثالثة بقوله: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ الآية، وقد استدلوا أيضا بما روى أبو داود «١» في «سننه» عن عكرمة عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس لما اختلعت منه جعل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عدتها حيضة، ولو كان طلاقا لكانت عدتها كما قال الله:

وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ.

وذهب الجمهور إلى أنّ الخلع طلاق، وحجتهم أن الخلع: إما فسخ، أو طلاق، وقد أبطلوا كونه فسخا، بأنّه لو كان فسخا لما جاز بأكثر من المهر، كالإقالة في البيع، مع أنه يجوز بالأكثر، وإذا بطل كونه فسخا، تعيّن كونه طلاقا، وقد علمت ما فيه.

واستدلوا أيضا بما

ورد عن ابن عباس في امرأة ثابت بن قيس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال له: «اقبل الحديقة، وطلّقها طلقة واحدة» أخرجه بهذا اللفظ البخاري، وأبو داود والنسائي «٢» .

يَخافا الخوف: الإشفاق مما يكره وقوعه، ويمكن أن يراد منه هنا- الظنّ، لأنّ الخوف حالة نفسية، وسبب حصولها ظنّ أن سيحصل مكروه، فيطلق المسبب على السبب. قال الشاعر:

إذا متّ فادفني إلى جنب كرمة ... تروّي عظامي بعد موتي عروقها

ولا تدفننّي في الفلاة فإنّني ... أخاف إذا ما متّ ألا أذوقها

قال الرازي «٣» : فإن قيل: لمن الخطاب في قوله: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا..

فإن كان للأزواج لم يطابقه قوله: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ وإن قلت: للأئمة والحكام، فهؤلاء لا يأخذون منهن شيئا؟

قلنا: الأمران جائزان، فيجوز أن يكون أول الآية خطابا للأزواج، وآخرها خطابا للأئمة والحكام، وذلك غير غريب في «القرآن» ويجوز أن يكون الخطاب كلّه للأئمة والحكام، لأنّهم الذين يأمرون بالأخذ والإيتاء عند الترافع إليهم، فكأنّهم هم الآخذون والمؤتون.

قال الله تعالى: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٢٣٠) .

يعلمون الحقائق. ويعلمون المصالح المترتبة على العمل بها.


(١) سنن أبي داود (٢/ ٢٤٥) ، كتاب الطلاق باب في الخلع حديث رقم (٢٢٢٩) ، والترمذي في الجامع الصحيح (٣/ ٤٩١) ، كتاب الطلاق باب في الخلع حديث رقم (١١٨٥) .
(٢) رواه النسائي في السنن (٥- ٦/ ٤٨١) ، كتاب الطلاق، باب ما جاء في الخلع حديث رقم (٣٤٦٣) .
(٣) في تفسيره مفاتيح الغيب والمسمى أيضا التفسير الكبير (٦/ ٩٩) .

<<  <   >  >>